+ A
A -
كتبت كثيراً هـنا عـن مبدعي هـذه الأمة، مرة في ذكرى ولادة أحدهم، ومرة في ذكرى وفـاة آخر، فهذا أبسـط حقوقهـم علينا. لكن أحداً من هؤلاء لم يكن صديقي، ولا يجمعني بهم سـوى أنني من المعجبين بإبداعهم، وأنهم أسـهموا في تشـكيل وعيي الثقافي والأدبي، إلا إذا تحدثنا عن صداقة الحرف والكلمة.
لكنني أكتب اليـوم عـن مبـدع كان صديقي، هو الأديب المترجم المثـقف طلعت الشـايب الذي رحل عنا في 31/3/2017، ولعلي أشكر الـلـه تعالى على أننا لم نلتق إلا لقاءات قصيرة منذ سنوات، فمما يزيد الحزن على فقد صديق أن يكون ممن تلقاهم يومياً أو باستمرار.
وأقـول عـن الراحـل إنه كان «أديـباً» لأنه كان مترجمـاً عـظيمـاً، ومن قال إن صفـة المبـدع الأديب لا تطلـق إلا عـلى الكاتب أو الروائي أو القاص أو الشـاعر؟ لقـد كان طلعت تجسـيداً حيـاً للشـروط التي وضعها الجاحـظ للمـترجم منذ القرن الثالث الهجـري / التاسـع الميلادي، وعاد شـيخ المترجمين العرب الذي كان يعدل وحده مؤسـسة ثـقافية الدكتور سامي الدروبي فأكدهـا في القـرن العشـرين، وأهمهـا أن يجيـد اللغة التي ينقـل منها، إجادته اللغة التي ينقـل إليها، وكان طلعت يجيد الاثنتين إجادة تامة.
وكان طلعت مثقـفاً بالمعنى الشـمولي للكلمة، ويكـفي أن نلقي نظرة على عـناوين أهم الكتب التي ترجمهـا، لندرك شـموليـة ثقافتـه: كتاب «صدام الحضارات» تأليف صمويل هنتـنجتون وهـو من أهـم المؤلفات في العصـر الحديث. كتاب «حدود حرية التعبـير» للأديبة السـويديـة مارينا ستاج، وتتحدث فيه عن تجربة كتاب القصة والرواية في مصر خلال حكم الرئيسـين الراحلين جمال عبد الناصر، ومحمـد أنور السـادات، رواية «بقايا اليـوم» التي كتبها المؤلف ياباني الأصل إنجليزي الجنسية كازو إيشيجورو، وحصلت على جائزة «البوكر»، «أصوات الضميـر» وهو 50 قصيـدة من ديـوان الشـعر العـالمي، «مكتوب» مجموعـة مقالات للأديـب والروائي البـرازيلي باولـو كويلـو، رواية «عاريـاً أمـام الآلهـة» للشـاعـر والروائي الهنـدي شـيف كومار، رواية «فتـاة عادية» إحدى أهـم وأشـهر الروايـات التي ألفهـا الروائي والكاتب الأميركي آرثـر ميلر، كتاب «الاستـشراق الأميركي» من الكتب الهامة التي يراهـا عدد كبير من المثقـفين كاشفة ومخيفة، لأستاذ التاريخ الأميركي دوجلاس ليتـل، كتاب «من الذي دفـع للزمّار» الذي ألفتـه الباحثة البريطانيـة ف.س.سـوندرز، ويكشـف الأسـاليب التي تسـتعملها وكالة المخابرات المركزية الأميركية، في اختراق المنظمات الإنسانية والمؤسسات الثقافية، والدوافع وراء ذلك.
ثمة جانب مهـم آخـر من طلعت الشـايب، أنه كان من «الحكـّائين» يتدفـق وهـو يتحـدث عـن موضـوع يعرفه جيداً، حتى تـتمنى ألا يسـكت، لكنه يجيد الإصغاء أيضاً. لمن تحكي الآن يا طلعت؟ وعمَّ تحكي؟

بقلم : نزار عابدين
copy short url   نسخ
24/04/2017
2193