+ A
A -

- 1 -
لم تعق هذه المرة الظروف الجوية ولا السياسية طائرة وزير الخارجية المصري سامح شكري من الهبوط بمطار الخرطوم.
اكتمل برنامج الزيارة كما حدد له. وخرج البيان المشترك بين الجانبين كما هو متوقع له.
عبارات دبلوماسية باردة ومتكررة لا تمثل سوى مسكنات موضعية ضعيفة الأثر قصيرة المدى.
مصدر تعقيدات العلاقة بين الخرطوم والقاهرة عدم معالجة الأمراض بل يكتفي بالتعامل مع الأعراض عبر المسكنات.
لذا سرعان ما تعود حالة التوتر إلى عنفها الإعلامي وشدتها في الضرب الذي تتبادله أجهزة مخابرات البلدين تحت الحزام.
-2-
خرج البيان الختامي لزيارة شكري إلى الخرطوم ليتحدث عن استمرار الاجتماعات والتنسيق بين الدولتين والعمل على مواصلة التعاون المشترك.
البيان كان مقتضباً وحذراً، تجنب التطرق أو الاقتراب من القضايا الخلافية، بل جاء فيه ما هو مثير للسخرية حيث تمت الإشارة إلى الإعلام كأنه مصدر الأزمة وليس ميداناً لمظاهرها.
الحقيقة التي يعلمها الجميع، أن ما يكتب ويقال في أجهزة الإعلام هو مظهر وتجلي للأزمات السياسية القائمة بين الدولتين وليس مصدراً لها.
-3-
هنالك خلافات حول عدة مسارات متقاطعة، خلافات متعلقة بالتوجهات الأيديولوجية، والتحالفات الإقليمية، وعلى تبادل السلع وحركة مواطني الدولتين وخلاف حدودي مزمن على مناطق حلايب وشلاتين.
عدم الإشارة لكل تلك الملفات في البيان الختامي للوزيرين، والاكتفاء بفقرة وعظية موجهة لأجهزة الإعلام في البلدين، دليل على أن الأزمات ستظل حاضرة ومتجددة، لا تحد منها الزيارات ولا تعالجها المسكنات.
-4-
المشكلة التي لم يتم التطرق إليها لا في البيان الختامي ولا في المؤتمر الصحفي لوزيري خارجية البلدين هي ملف مياه النيل والموقف من سد النهضة.
الحقيقة التي يجب ألا تغيب عن الجميع، أن كل تلك المشكلات المذكورة آنفاً يمكن التعامل معها بالاحتواء أو التفاهم وإيجاد المعالجات ولكن الأزمة الأساسية التي تجعل تلك المشكلات عصية على العلاج والحل هي ملف مياه النيل والموقف من سد النهضة الإثيوبي.
ما يحدث من تصعيدٍ غير مسبوق بين السودان ومصر، ليس مصدره النزاع على حلايب؛ فالقضية قديمة وهي لا تمثل أكثر من تيرمومتر لقياس مستوى العلاقة صعوداً وهبوطاً.
مصدر وبؤرة الأزمة، هو موقف السودان المُؤيِّد لقيام سد النهضة الإثيوبي.
-5-
لأول مرَّةٍ في تاريخ العلاقة بين البلدين يتَّخذ السودان موقفاً في ملف المياه مستقلاً عن الموقف المصري.
السودان اختار تبنِّي هذا الموقف بناءً على مصلحته الوطنية.
السودان يرى أن له مصلحة كبرى من قيام السد الذي سيوقف الفيضانات المدمّرة التي تجتاح مدن النيل الأزرق في السودان.
وسوف ينظّم انسياب النيل طوال العام في السودان، بدلاً عن موسميته الحالية التي يفيض فيها النيل في أشهر ثلاثة هي: يوليو وأغسطس وسبتمبر.
كما أن انسياب النيل الأزرق على مدى العام سوف يساعد في التغذية المتواصلة كل أشهر السنة للمياه الجوفية في المنطقة بدلاً عن تغذيتها فقط في الأشهر المذكورة، يضاف إلى ذلك أن السودان سيحصل على كهرباء من إثيوبيا بسعر تفضيلي.
-6-
وكما قلنا سابقاً، الأقدار الآن تضع السودان ومصر في مُنعطفٍ حاسمٍ لا يقبل مُسكِّنات المُجاملة والحلول الرخوة، إما الانتقالُ للتكامل الاقتصادي عبر مشاريع الشراكات الاستراتيجية الذكية، أو الخوض في معارك كسر العظم.
توجد دراسات بحثية صدرت حديثاً تتحدث عن فوائد التحالف بين أربع دول (السودان وجنوبه وإثيوبيا ومصر) في إطار تعاون اقتصادي مشترك لتحقيق الأمن الغذائي والمائي.
-أخيراً-
التحالفات الاقتصادية ستنقل العلاقة بين السودان ومصر وإثيوبيا من مربع المخاوف إلى مربع المصالح، ومن تبادل الأذى إلى تبادل المنافع.

بقلم : ضياء الدين بلال
copy short url   نسخ
23/04/2017
2998