+ A
A -

حين كنا في سنوات طفولتنا بلا شك اتخذنا من الأشياء التي نحبها أصدقاء، فالطفلة كانت دميتها صديقة لها والطفل لطالما تعلق بلعبته التي تشبه سيارة أو رجلا آليا، وحين نقلتنا السنوات لمرحلة المدرسة كان سؤال أهلنا: من صديقك الأقرب بالصف وتستمر الرحلة لنكوّن صداقات في كل مرحلة عمرية، بعض الأصدقاء يستمرون في حياتنا وبعضهم يختفي مع تجارب تجمعنا بهم، والبعض تُغيبه السنون لرحيل أو ابتعاد، وتبقى الصداقة شيئا كبيرا ومعنى قويا، لا يعرفها ولا يُحسن تقديرها إلاّ القليل من خلال الالتفات حول الصاحب ومعاشرته على الحلوة والمُرة - كما نقول- وتعني الوقوف جنباً إلى جنب مع الصديق وهو في أسوأ ظروفه سواء معنوياً أو مادياً، إلاّ أن ما نشاهده في الوقت الحالي من علاقات شوّهت معنى الصداقة الحقيقي فهناك من يستغل ارتباطه بشخص معين لمصلحة شخصية، وما أن تنتهي ينتهي كل شيء، فلا سلام ولا اتصال ولا حتى تهنئة بأي مناسبة، وهو ما يعكس سوء نوايا بعض الأفراد وتمثيلهم لأدوار المصلحة على أكمل وجه!
وان كان المنطق يقول إن الإنسان لا يستطيع مهما بلغ عمره أو وعيه الاستغناء عن الآخرين، سواء من أجل تبادل المصالح المشتركة أو من أجل الحب المطلق في الله، ومن أسمى هذه العلاقات - الصداقة- التي يُبنى سمو تعاملها عبر الأيام والسنوات بالاحترام والوفاء، فللصداقة شروط أهمها التوافق الفكري والنفسي والاحترام المتبادل وكذلك تشابه الميول الاتجاهات وربما كان للأخلاق الحسنة - مفعول السحر- في الحفاظ على الصداقة الحقيقية البعيدة عن المصالح الشخصية التي تسمو عن السلوكيات الخاطئة مثل الغيبة والانشغال بعيوب وخصوصيات الآخرين.
فالصداقة كلمة تحمل في ثناياها العديد من المفردات التي تتعطر بالإخلاص والانتماء والاحترام والثقة، ولكن القاموس في زمننا جعل من هذه المفردة هامشية ليس لأنها غير جديرة بالاهتمام بل لأن من يحملها لم يكن على قدر المسؤولية في الأخذ بمدلولاتها الرائعة، إلا أنه في زمننا نسمع جملا عدة تجعلنا نستعيد هذه الكلمة التي باتت نادرة المعنى والتي أصبحت تبحث عن هويتها الحقيقية في مدلولها القيّم في هذا الزمن الذي قلّت فيه «الصداقة» حيث نسمع «لا يوجد صداقة» و«صارت الدنيا كلها مصالح» فمفهوم الصداقة أنها علاقة اجتماعية بين شخصين أو أكثر على أساس المودة والتعاون بينهم بات المفهوم الأقل انتشارا وتطبيقا على غالبية العلاقات، ولعل من أسباب تغير مفهوم الصداقة انتشار فكرة الذات الأنانية حيث يجد الإنسان نفسه ومصالحه أهم من الآخرين ويتجنبهم ولا ينشئ معهم علاقات لأنه أساسا ممن يستغلون الفرص أو يطعنون بالظهر إلى جانب الصراعات التربوية النفسية والبيئية حيث إنه من الممكن أن ينشئ الإنسان صداقة مع شخص ولكنها ليست جيدة ولان المجتمع له الدور الأكبر في تغيير مفهوم الصداقة بما يحويه من وسائل إعلام مختلفة ومن عوامل داخلية وخارجية تؤثر على الإنسان في عملية اختيار الصديق من ناحية وفي تحديد مفهوم الصداقة من ناحية أخرى فإن للأسرة دورها في تغيير مفهوم الصداقة لدى الشباب حيث إن الأسرة هي المكان الأول الذي يشاهد فيه الإنسان التفاعل بين الأطراف المختلفة ويمارس هذا التفاعل مع أفراد أسرته.. وهو بلا شك مدرك لطبيعة علاقته بالآخرين وحجم هذه العلاقة وطبيعتها.
فعلينا إذا ان نعي ان جميع الصّداقات يجب ان تُبنى على مبادئ معروفة كالتّعاون والتّعايش وان اختلفت. لذا بقي ان اقول ان الشي الجيد في الصداقة معرفة من الذي يمكن أن تستودعه سرك ويقوم بنصحك، وإذا أخطأت في الاختيار فخذ العبرة من الأمر وممن اهداك عبرة قد تكون مؤلمة لكنها مفيدة للعمر الباقي ودام لكم احبتكم.. ودمتم اصدقائي بود.
بقلم : ابتسام الحبيل
copy short url   نسخ
22/04/2017
3766