+ A
A -
دخلت الأزمة في لبنان منعطفاً جديداً مع استخدام رئيس الجمهورية العماد ميشال عون صلاحياته الدستورية المنصوص عليها في المادة 59 لتعليق اجتماعات مجلس النواب مدة شهر، أي من تاريخ 13 الشهر الجاري وحتى تاريخ 14 الشهر المقبل، وهي المرة الأولى في تاريخ لبنان، أي منذ عام 1927، التي يقدم فيها رئيس الجمهورية على استخدام هذه المادة الدستورية.
جاء هذا القرار من قبل الرئيس عون لتعطيل اجتماع للمجلس النيابي كان سيعقد بتاريخ 13 أبريل الحالي بهدف مناقشة مشروع اقتراح تقدم به النائب نقولا فتوش للتمديد لمجلس النواب مدة سنة بدعوى الظروف الاستثنائية على خلفية عدم توصل الأطراف الرئيسية في الحكومة والبرلمان إلى اتفاق على قانون جديد للانتخاب تجري على أساسه الانتخابات قبل انتهاء المدة القانونية للمجلس في 31 مايو القادم. كان من المتوقع لو جرى انعقاد المجلس أن يجرى التمديد للمرة الثالثة، تحت عنوان أن البديل عن التمديد هو الفراغ في السلطة التشريعية، أم السلطات، ولهذا فإن الكثير من الأحزاب السياسية وهيئات المجتمع المدني سارعت إلى الدعوة للتظاهر والاعتصام في ساحة رياض الصلح ضد التمديد وللمطالبة بإقرار قانون جديد للانتخاب مغاير لقانون الستين، ويقوم على ساس اعتماد النسبية الكاملة.
ويبدو من الواضح أن لجوء الرئيس عون إلى قرار تعليق اجتماعات مجلس النواب جاء لتحقيق مايلي:
أولا: منع التمديد للمجلس النيابي. وإفساد خطة الطبقة السياسية المهيمنة على السلطة التي تريد وضع اللبنانيين بين خيارين اثنين، إما إجراء الانتخابات على أساس قانون الستين أو أي قانون آخر مفصل على قياسها، وإما التمديد مجدداً لسيطرتها وهيمنتها على السلطة ومقدرات البلاد لمواصلة سياساتها التي تسببت بالأزمات الاقتصادية والاجتماعية والخدماتية وزيادة الدين العام وخدمته، وإشاعة الفساد، وبالتالي حماية نفوذها في السلطة.
ثانياً: الحؤول دون انفجار الأزمة المحتدمة في الشارع وعلى مستوى السلطة، عبر سحب فتيل الانفجار، وإتاحة الفرصة للأطراف السياسية الأساسية للتوصل إلى قانون انتخاب غير مفصل على قياس أحد ويتيح تمثيل جميع اللبنانيين وفق أحجامهم، بما يشكل خطوة إلى الأمام على طريق إصلاح النظام السياسي في البلاد.
من دون أدنى شك فإن قرار رئيس الجمهورية نجح في سحب فتيل الأزمة إلى حين، لأنه إذا لم يجر الاتفاق على قانون جديد للانتخاب يجرى على أساسه التمديد تقنيا مدة ثلاثة أشهر للتحضير لإجراء الانتخابات وفق القانون الجديد، فإن اللبنانيين سيكونون مجدداً أمام الأزمة في 15 من الشهر المقبل الموعد الذي حدده رئيس مجلس النواب للجلسة النيابية العامة لاتخاذ قرار التمديد، وعندها ستكون البلاد أمام منعطف جديد أكثر خطورة، لأن المجلس سوف ينعقد في ظل مقاطعة نواب التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وحزب الكتائب، وبعض النواب الآخرين الذين لم يعلنوا موقفا بعد، وسوف يترافق ذلك مع إضراب عام واحتجاجات شعبية في ساحتي الشهداء ورياض الصلح حيث مقرا البرلمان والحكومة.
فالتمديد قد يؤدي إلى الخطوات التالية:
1- استقالة نواب التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية والكتائب، وهذا يعني شل مجلس النواب، وفقدانه للميثاقية في أي قرار يتخذه.
2- استقالة وزراء التيار الوطني والقوات من الحكومة ما يعني إقالة الحكومة، لأن مجموع وزراء التيار والقوات يتجاوز ثلث الحكومة، ومعروف أن إقالة الحكومة يحتاج إلى استقالة الثلث من أعضائها.
3- استخدام رئيس الجمهورية صلاحياته بعد الدعوة إلى استشارات نيابية لتشكيل حكومة جديدة.
طبعا هذه الخطوات المتوقع سلوكها من قبل الرئيس ميشال عون والتيار الوطني الحر والقوات بالحد الأدنى، سوف تترافق وتتزامن أيضا مع تحركات من قبل أحزاب وقوى سياسية وهيئات أهلية معارضة للتمديد وتنادي بقانون انتخاب على أساس النسبية الكاملة في لبنان دائرة انتخابية واحدة، وترفض القانون التاحيلي والقوانين المختلطة التي لا تشكل خطوة إلى الأمام على طريق الاصلاح والتغيير.
هذه الخطوات تجعل البلاد تندفع إلى أزمة عنيفة لا يمكن الخروج منها إلا بعقد اجتماعي جديد.
من هذا المنطلق، ولأن مجلس النواب يصعب عليه تجاهل موقف رئيس الجمهورية ودوره المهم والأساسي في الكثير من الأمور المهمة التي تحتاج إلى موافقته، وكذلك يصعب عليه تجاوز هذا الحجم من المقاطعة النيابية والمعارضة الشعبية الواسعة التي شملت لأول مرة نقابات وازنة مثل نقابة المحامين في الشمال، وقد تكر السبحة في حال اندفعت الأوضاع إلى أتون الانفجار، فانه من المتوقع أن يشكل كل ذلك جرس إنذار للطبقة السياسية بضرورة الاقلاع عن الاستمرار في سياسة التمديد للازمة والاستئثار بالسلطة وبالتالي القبول بتقديم التنازلات المطلوبة لوضع قانون جديد للانتخاب غير مفصل على قياسها.
بقلم : حسين عطوي
copy short url   نسخ
22/04/2017
1785