+ A
A -
حالة التضارب، وخفوت الرؤية، حول السياسة الخارجية للرئيس ترامب، في الأشهر الأولى من رئاسته، دفعت إلى التساؤل: هل يكون ذلك راجعا إلى مجرد رفض للنظام السياسى، وطريقة إدارته الثابتة للسياسة الخارجية على مدى عشرات السنين الماضية؟.. أم أن ترامب وجد أمامه من أول يوم له في البيت الأبيض ميراثا ثقيلا من المشاكل، والتحديات، لم يسبق أن تعرض لمثيل لها أي رئيس من قبله، بحيث بدت الصورة، وكأن هناك صعوبة في الاستقرار على نهج واضح ومتكامل لسياسته الخارجية؟.
كثير من الخبراء والكتاب شغلوا في الفترة القصيرة التي سبقت فوز ترامب، برسم خريطة للتحديات، والمشاكل، والصعوبات التي تواجه أميركا، سواء في الداخل، أو في مجال علاقاتها الخارجية.
وكأن ما قاموا به من جهود، كانت بمثابة وصايا للرئيس القادم بعد أوباما. وقدموا رؤيتهم من خلال مؤلفات، تقاربت معانيها فيما يمكن وصفه بورطة أميركا، في بحثهم عن سياسة خارجية ملائمة. وجاءت خلاصة وصاياهم عبارة عن رسم معالم ومؤشرات للوضع الذي وجد ترامب نفسه في مواجهته، من أول يوم له في البيت الأبيض، وما ينبغى عليه أن يفعله للتعامل مع هذا الوضع.
وإذا نظرنا إلى آراء شخصيات سياسية على قمة المجتمع الأميركي، سنجد أن هنرى كيسنجر لم يكف عن تذكير مؤسسات ومراكز صناعة القرار السياسى، بأن العالم يتغير من حولهم، ولم يعد يتقبل السياسة الخارجية، التي لا تزال تتمسك بنفس القواعد التي كانت تعبر عن نظام عالمى لم يعد له وجود الآن.
ومن ناحية أخرى طرح زبجنيو بريجينسكى في عام 2016 في مقال عنوانه «التحديات الرئيسية للسياسة الخارجية للرئيس القادم – بعد أوباما، بروز إحساس على مستوى الولايات المتحدة بأن مستقبل النفوذ الأميركى في العالم، صار محل شك.
يقول ادوارد جولدبرغ إن المناهج الحالية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة، لم تعد تتواءم مع النظام العالمي، وأن سياسة أميركا لا تزال تتعامل مع عالم ليس له وجود الآن.
أيان بريمر في كتابه «ثلاثة خيارات لدور أميركا في العالم» يقول إن التحديات، وكذلك التناقض في السياسة الخارجية الأميركية كانت تتزايد طوال السنوات الخمس والعشرين الماضية، وأن ذلك قد أثار شعورا مزعجا بعدم اليقين، وبتوالي الانتقادات لهذه السياسة.
ويقول أن الانتقادات لأميركا من الأصدقاء والحلفاء، ليست شيئا جديدا. فلم يكن هناك عصر ذهبي لسياستنا الخارجية، في التناسق والتكامل. والشكوك الآن كثيرة حول الهدف الأساسي لأميركا. ثم إن الشعب الأميركي لا يهمه الكثير مما تسعى أميركا إلى تحقيقه في الخارج.
الكاتب باري بوسام، يقول إن الحدود التي أصبحت مفتوحة بين الدول، لتعبر منها المعلومات، والتلوث، والنشاط الإجرامي، والاستثمارات بلا ضابط، قد جعلت من العولمة سببا لصعوبة مهام الحكومات الوطنية.
والسؤال الآن: ما الذي يجب علينا أن نفعله بشأن سياستنا الخارجية. فالعالم يتغير، وتجتاحه تحولات سريعة، تدفع به إلى شكل مختلف. وهناك من لا يزال يتمسك بالأفكار الموروثة عن أن أميركا يجب أن تكون لها القيادة والهيمنة، كما أن هناك من يختلف مع هؤلاء، ويرى أن التمسك بهذه الأفكار، يضع أميركا في صدام مع العالم، في عصر لا تستطيع فيه دولة مهما كانت قوتها، أن تستغني عن الآخرين.
بعض هذه الأفكار، في تشخيصها للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط، ترى أن دولا في المنطقة، التي تعانى من أجواء الفوضى الإقليمية، تتطلع إلى أميركا للدفاع عنها، وتوفير ضمانات الأمان لها. لكن الكثير من تساؤلات هذه الدول، لا يلقى من أميركا إجابات قاطعة ومرضية.
ويبقى السؤال معلقا: هل هذه الصورة التي طرحت أمام ترامب كرئيس جديد، رسمت وضعا لم يعد يتناسب مع الواقع العالمي، ويكاد يفتقد القدرة على أن يضمن لها الهيمنة وقيادة العالم، كما يؤمن بذلك كثيرون كمذهب سياسي لهم؟.
وهل هو ما أضفي على سياسة ترامب الخارجية، في أيامها الأولى، هذا التناقض؟. أم أن اقتناعه بمسؤولية النخبة التي تحتكر صناعة السياسة الخارجية، وعدم توافق أفكارها مع عالم يتغير هو ما خلق الصدام بينهما؟. وبحيث لم يكف ترامب عن مهاجمة الرؤية السياسية لهذه النخبة، وإظهار سوءاتها أمام الرأي العام.
أيا كانت الإجابة، فإن ترامب، وإن كان يسعى إلى تغيير كبير في السياسة الخارجية، إلا أنه لم يبتعد عن اقتناعه، بالدوافع الرئيسية للفكر السياسى الأميركي الموروث، عن أن أميركا يجب أن تقود، وأن تكون لها الهيمنة.

بقلم : عاطف الغمري
copy short url   نسخ
21/04/2017
3110