+ A
A -
بعدما وضعت تركيا اللبنة الأساس للجمهورية الثانية عبر التصويت بـ«نعم» لمصلحة التعديلات الدستورية التي طلبها أردوغان لتعزيز صلاحياته الرئاسية وتحويل البلاد إلى نظام جمهوري سلطوي، تتركز الأنظار على إيران لمعرفة ما إذا كان استحقاقها الانتخابي الرئاسي المقبل سيحمل جديدا.
ستجرى مياه كثيرة في أنهار إيران حتى موعد الانتخابات. المرشحون كثر والمفاجآت المتوقعة كثيرة أيضا. وعلى الأرجح أن يواصل الرئيس الحالي حسن روحاني خوض غمار السباق، كي يقطف ثمار نجاحاته الدولية. لكن نجاحه في إبرام الاتفاق النووي مع الغرب وخروج إيران نسبياً من عزلتها الدولية، لا يكفيان وحدهما لإعادته رئيسا، ذلك إن السياسات في إيران تصنع الرئيس وليس الرئيس من يصنع السياسات. وهكذا تقول القاعدة الإيرانية إن انحيازات المرشح الرئاسي المعلومة بالضرورة قبل الانتخابات، هي ما يجعله «المرشح الصحيح» من منظور عملية صنع القرار الإيراني المعقدة، لتنفيذ سياسات إيران الداخلية والخارجية المطلوبة في فترة ولايته بعد اجتيازه الانتخابات. بمعنى آخر، لا يصنع الرئيس الإيراني سياسات إيران الكبرى والمصيرية، بل إن الأخيرة هي التي تجعله مناسباً للموقع. ويمكن التثبت من صحة هذه الفرضية بملاحظة أن الرئيس خاتمي وسياساته الانفتاحية على الجوار والعالم (1997-2005) أخرجت إيران من عزلتها الإقليمية والدولية، وكانت مؤهلاته الفلسفية والكلامية ودعوات «حوار الحضارات» وسائله الممتازة لتحقيق ذلك.
أما الرئيس أحمدي نجاد (2005-2013) فقد قلب الطاولة على التوازنات الإقليمية السائدة لمصلحة إيران بالإفادة من الفراغ الإقليمي الكبير الناشئ بعد احتلال العراق 2003، وظهور الورطة الأميركية في السيطرة على الوضع هناك. ولعل تصريحات أحمدي نجاد النارية بخصوص الملف النووي الإيراني ودولة الاحتلال الإسرائيلي، أحد تجليات تلك المرحلة إقليمياً وإيرانياً. في المقابل كانت براعات الرئيس روحاني التفاوضية السابقة، وتجذره المؤسسي في هياكل صنع القرار الإيرانية، مؤهلاً كافياً ليخوض غمار المفاوضات النووية المعقدة مع الغرب بنجاح، بغرض تحييد أي أعمال عسكرية محتملة ضد إيران، وصولاً إلى رفع العقوبات الدولية التي فُرضت عليها بسبب ملفها النووي.
وهكذا باختصار، فإن في إيران الرازحة تحت حكم الملالي، مَن يجلس على كرسي الرئاسة أو بالأحرى مَن يخرجونه من صناديق الاقتراع، يجب أن يخرج من عباءة الوالي الفقيه. الكلمة الفصل هي للمرشد الأعلى. ورئيس الجمهورية أيا كان ظاهره السياسي أو الشعار الذي يرفعه لن يكون سوى حامٍ لنظام الملالي ونظام الجمهورية الإسلامية.
لكن الانتخابات الإيرانية هذه المرة تختلف عـــن الدورات السابقة اختلافاً كبيراً. ذلك أن الأولى التي تجرى بعد وفـاة الرجل الثاني في إيران هاشمي رفسنجاني، ما أضعف النظام وجناح الرئيس روحاني. وكان وجود رفسنجاني بمثابة نقطة توازن للنظام. كما ألحق رحيله خسارة لافتة بالسياسة الخارجية للنظام. فوصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مع سياسة مخالفة لسياسة سلفه باراك أوباما وابتعاد روسيا عن إيران بالنسبة إلى الأزمة السورية واقترابها من تركيا والاتفاق الشامل المشترك الفاشل الذي لم يجلب فائدة لطهران، كل ذلك زاد من أزمات النظام. وصار مــن الطبيعي أن الأجنحة الداخلية للنظام تدق على طبل التضليل وتطلق وعوداً من الصعب تنفيـــذها. ومن الواضح أن جناحي النظام المحافظ والمعتدل يستشعران أجواء الاحتقان السائدة في الشارع الإيراني ويعلمان أن الإيرانيين الذين طفح كيل صبرهم يتحينون الفرصة لاستغلال أقل شرخ في النظام، لذلك هما يخشيان أن يخرج المواطنون الضائقون ذرعاً إلى الشارع بثورة خضراء مثلما فعلوا في عام 2009 لطي صفحة النظام. ويدرك الجناحان جيداً أن هذه الانتخابات ليست انتخـــابات شعبية، وما هي سوى إخراج متقن لتبادل مدروس للأدوار، وفي واقع الأمر هي صــراع على السلطة بين جناحي النظام.
وإلى القضايا الكثيرة الصعبة التي ينبغي على النخبة السياسية الحاكمة في طهران معالجتها على المستوى الداخلي، عليها ابتكار ردود جديدة على التحديات الكبيرة التي تفرضها إدارة الرئيس ترامب التي رفعت إيران إلى مصاف العدو الثاني بعد الإرهاب. وهكذا يتحول ترامب إلى ناخب كبير في الانتخابات الإيرانية. وقد يترتب على خطاباته التصعيدية عكس ما تهدف إليه من دعم الإصلاحيين في البلاد، إذ ستزيد من الميول المتشددة لإيران، وستعطي الحرس الثوري الجرعة الكافية لإحكام قبضته في الداخل وتوسيع نشاطاته الخارجية وجعلها أكثر استفزازا. علاوة على ذلك، سيكون لهذه الخطابات دور في إضعاف الطرف المعتدل في إيران، وستغلق أيضا أبواب أي نوع من الالتزامات.

بقلم : أمين قمورية
copy short url   نسخ
19/04/2017
3261