+ A
A -
حفلت الصحف ووسائل الإعلام الغربية بالبكائيات والاتهامات للحكومة التركية والرئيس التركي رجب طيب أردوغان عشية التصويت بنعم للتعديلات الدستورية الجديدة ورغم أن التركيز كان من وسائل الإعلام الغربية وكل المعادين للرئيس أردوغان أنه يصنع نظاماً ديكتاتورياً استبدادياً إلا أن بعض الكتابات كانت نظرتها واقعية للأمر ونظرت إليه نظرة النعي والرثاء للجمهورية العلمانية التي أقامها كمال أتاتورك في تركيا بعدما قام بالقضاء على الخلافة الإسلامية العثمانية التي كانت رغم كل سلبياتها آخر إطار للوحدة الاسلامية ولم يعد للمسلمين بعدها أي إطار يجمعهم بل أصبحت معظم حكوماتهم حكومات عميلة تستمد شرعيتها ليس من شعوبها وإنما من الدول الغربية أو الشرقية التي تدعم أنظمتها.
فرغم المحاولات والجهود التي قامت بها دول أوروبية كثيرة وعلى رأسها ألمانيا من أجل إفشال التصويت بنعم جاءت النتيجة مخيبة لآمالهم وقال رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر ووزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيدريريكا موغيريني والمفوض الأوروبي لشؤون التوسع يوهانس هان في بيان مشترك أصدروه فور إعلان النتائج «انطلاقا من النتيجة المتقاربة للاستفتاء والتداعيات البعيدة المدى للتعديلات الدستورية ندعو السلطات التركية إلى السعي لأوسع توافق وطني ممكن في تطبيق هذه التعديلات» هذا الكلام يأتي من الأوروبيين الذين لا تزيد نتائج الانتخابات والاستفتاءات في بلادهم على نسب مشابهة في غياب لمعظم الشعب، ففي الوقت الذي خرج فيه 85 % من الأتراك للتصويت فإن نسب التصويت في أوروبا والغرب بشكل عام لا تزيد على 30 %.
وللتعبير عن حجم الغضب الموجود لدى الألمان قال وزير الخارجية الألماني سيغمار غابريال «إن على ألمانيا الحفاظ على هدوئها مهما كانت نتيجة الاستفتاء في تركيا» وفي بريطانيا لخص تقرير نشرته «التايمز» البريطانية عن نتيجة الاستفتاء القول إن «تعديل الدستور سيغير هوية تركيا العلمانية الحديثة التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك وهناك خشية من أسلمة تركيا» لكن مجلة فورين بوليسي الأميركية كانت أكثر وضوحا فقالت في مقال كتبه ستيفن كوك «إن نتيجة الاستفتاء لا تعني مجرد انتصار للرئيس رجب طيب أردوغان بل تعني ماهو أعمق من ذلك وهو تفويض أردوغان وحزبه لإعادة تنظيم تركيا بالقضاء على المبادئ التي قامت عليها الجمهورية التركية منذ العام 1921»، وبصراحة مطلقة قال كوك «إن الإسلاميين في تركيا ظلوا على الدوام يمجدون فترة الامبراطورية العثمانية التي سبقت تأسيس الدولة التركية ويرون أن الجمهورية تمثل تنازلاً ثقافياً وعلمانية قمعية في خدمة أفكار أتاتورك المستغربة وأنهم يرون أن الوضع الطبيعي لبلادهم ليس في حلف الناتو وإنما في قيادة العالم الإسلامي».
هذه هي حقيقة الفهم الغربي لما قام به أردوغان بعيدا عن الاتهامات الشكلية بأنه سيقيم نظاماً قمعياً لا يمكن أن يقبل به الشعب التركي، وكانت خطوة أردوغان صبيحة الاستفتاء بزيارة قبور الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري ومحمد الفاتح فاتح القسطنطينية والسلطان سليم السابع من سلاطين آل عثمان الذي قمع الصفويين وكاد يقضي عليهم، ثم قام بزيارة قبور كل الذين حاولوا تغيير النظام العلماني طوال القرن الماضي عدنان مندريس ونجم الدين أربكان وتورجوت أوزال ليؤكد أن العودة بتركيا لهويتها الإسلامية وأن هذه إحدى أهم نتائج الاستفتاء كما فهمه الغربيون.

بقلم : أحمد منصور
copy short url   نسخ
19/04/2017
64097