+ A
A -
من أكبر النتائج التي حققها الاستفتاء على الدستور التركي الجديد هي تصويت الشعب التركي ضد أوروبا التي أنفقت المليارات من أجل أن يصوت الشعب بلا على الاستفتاء، فبعد المحاولة الانقلابية الفاشلة سعت الدول الغربية بشكل مفضوح للقضاء على طموحات تركيا في أن تصبح دولة قوية تنافس الدول الأوروبية في كافة المجالات، وقد حشدت معظم هذه الدول وعلى رأسها ألمانيا معظم طاقتها الإعلامية والسياسية من أجل إفشال الاستفتاء ومن ثم إدخال تركيا في دوامة من التشتت والخلافات، ورغم أن نتيجة التصويت لم تكن كبيرة لمن قالوا نعم إلا أن هذه هي الديمقراطية فقد خسر كثير من المرشحين في الغرب مقاعد الرئاسة على بضع مئات من الأصوات، ومن ثم فإن اللعبة الديمقراطية توجب على من يمارسونها الرضوخ لقرار الشعب في النهاية، لكن هذا القرار الذي اتخذه الشعب التركي لم يكن هزيمة للمعارضة فقط وإنما الهزيمة الأكبر كانت لأوروبا التي وقفت بعناد وصراحة ضد التعديلات الدستورية ليس لأنها سترسخ النظام الرئاسي الديكتاتوري كما يدعون ولكن لأنها قضت على الدستور العلماني الذي قضى الأوروبيون ما يزيد على مائتي عام من أجل ترسيخه في تركيا، مائة عام من العمل ضد الدولة العثمانية حتى أسقطوها ومائة عام من دعم العلمانية ضد هوية تركيا المسلمة حتى تبقى في الحضن الغربي، لذلك فإن القضية ليست النظام الرئاسي لأن أردوغان في النهاية لن يبقى في الرئاسة إلى الأبد وإنما سيبقى فترتين ويأتي غيره لكن القضية هنا هي القضاء على الدستور العلماني الذي ظل يحكم تركيا منذ سقوط الخلافة العثمانية وحتى الآن، أما اتهام أردوغان بممارسة الديكتاتورية حتى وإن مارسها بكل أشكالها فإنه في النهاية وفق هذا الدستور سيرحل والشعب التركي الذي وقف ضد الانقلاب العسكري وأفشله بشكل تاريخي لن يسمح لديكتاتور أن يحكمه فكما خرج الناس وصوتوا له سيخرجون عليه إن وجدوه يتجاوز حدود الصلاحيات التي منحوها له.
الضجة كلها سواء من المعارضة أو من الغرب ليست على النظام الرئاسي على الإطلاق لأنه نظام مستقبلي لأي رئيس يمكن أن يحكم تركيا وأردوغان مرحلة محكومة بسنوات معدودة ولكن القصة كلها هي قصة العلمانية التي نجح أردوغان خلال خمسة عشر عاما من أن يقبرها بشكل كبير وأن يحدث تحولا كبيرا في الهوية الدينية والثقافية والسياسية للشعب التركي جعلت أوروبا تخشى من هذا الشعب الذي كان لها معه تاريخ طويل من الحروب فقد نجح الأتراك في حصار فيينا والوصول إلى أطراف باريس وما زال أحفادهم في شرق أوروبا يشكلون أغلبية السكان في البوسنة والهرسك وألبانيا وكوسوفا كما توجد نسبة كبيرة من المسلمين الأتراك في معظم دول أوروبا الشرقية حافظوا على دينهم وهويتهم رغم الأنظمة الشمولية الشيوعية التي حكمت هذه البلاد، باختصار لقد صوت الشعب التركي ضد دستور أتارتوك وقرروا العودة لهويتهم.

بقلم : أحمد منصور
copy short url   نسخ
18/04/2017
63428