+ A
A -
كان هناك رجلان مصابان بمرض خطير، جمعتهما المصادفة في غرفة واحدة صغيرة في المستشفى الكبير،لم يكن هناك من يزورهما،فالناس يفضلون صحبة الاصحاء على صحبة المرضى،خاصة اذا كان مرضا لا يرجى شفاؤه، وكان أحد الرجلين وكجزء من علاجه يستند على سريره القريب من النافذة الصغيرة التي تربطهما بالعالم، في حين يظل الرجل الثاني راقدا على ظهره ومن حوله الاجهزة التي تبقيه على قيد الحياة،وفي ظهر كل يوم كان المريض الاخف مرضا يقضي ساعة كاملة في وصف كل ما يراه في الخارج لزميله العاجز،كان يُسهب في وصف جمال الحديقة التي تطل عليها النافذة،والبحيرة الخلابة التي تقع خلفها،ويسبح فيها البط والبجع،ومنظر الاطفال المرحين وهم يرمون الخبز لهذه الطيور،ويقفزون في الهواء كلما ابتلعت هذه الطيور فتات الخبز،ثم هناك المراكب والزوارق بمختلف احجامها والتي تتهادى تحت اشعة الشمس،وهناك العشاق الشباب الذين يمشون تحت الاشجار وهم متأبطين بعضهم البعض أو متشابكي الايادي بحب لا يخفى عن العين،وهناك الزهور الحمراء والصفراء والبيضاء،والمساحات الشاسعة من العشب الاخضر المريح للعين،والمباريات التي تقام احيانا من قبل رواد الحديقة،وخلف كل هذه المناظر هناك المباني الشاهقة تنبض بالحياة...كان المريض المحكوم عليه بالبقاء مقيدا في سريره يستمتع بكل ما يصفه زميله في الغرفة،كانت هذه الساعة أجمل ما في يومه، الطفل الذي سقط في البحيرة وكاد يموت لولا شاب شجاع رمى نفسه خلفه واخرجه حيا...الفتيات الجميلات في فساتين الصيف المبهجة..اوراق الاشجار البرتقالية اللون وهي تغطي الارض في الخريف..ندف الثلج الناعمة في فصل الشتاء وهي تصطدم بالوجوه برقه وكأنها ترحب بهم،لم يكن زميله يغفل عن أية تفصيلة مهما كانت عادية وتافهة، وحتى عندما تنتهي ساعة العلاج ويستلقي زميله متعبا على سريره كان يطلب منه ان يحكي له المزيد عما شاهده أو شاهده ولم يلفت انتباهه،كان هذا الوصف يخفف من آلامه الجسدية والنفسية ولو لساعات،وذات يوم طرأت على على الرجل المحكوم عليه بالاستلقاء على ظهره للابد فكرة،لماذا ينبغي لزميله أن يحظى وحده بمتعة رؤية ما يحدث في الخارج؟ لماذا يحرم هو من هذه الفرصة،حاول ان يطرد هذه الفكرة من رأسه، لكن كلما حاول عدم التفكير بهذه الطريقة،زادت حاجته إلى التغيير الحاحا،وأنشبت الغيرة مخالبها في قلبه وعقله، ومع الوقت فقد لذة الاستماع..لا يريد ان يكون مستمعا،يريد ان يرى بنفسه..وسيفعل أي شيء من أجل ذلك،وذات ليلة بينما كان يحدق في السقف ويفكر..أستيقظ فجأة الرجل الآخر وهو يسعل ويختنق،ويداه تتلمس حافة السرير بحثا عن زر استدعاء الممرضة،راقبه دون أن يحرك ساكنا،كان بامكانه انقاذه لكنه لم يفعل..حتى عندما كف الرجل عن المحاولة وتوقف صوت تنفسه،لم يفعل شيئا..وفي الصباح جاءت الممرضات ونقلوا الرجل الميت بعيدا،ولم يطق هو الانتظار طلب منهم ان ينقلوا سريره ليكون قرب النافذة. وعندما تم له ذلك استند على كوعيه وكان الامر مؤلما ومرهقا،واستغرق هذا الجهد وقتا أطول مما توقع،لكنه في النهاية استطاع ان يرفع نصفه الأعلى ويواجه النافذة،النافذة التي تاق ليقف امامها كانت تطل على جدار فارغ...جدار لا أكثر.

بقلم : وداد الكواري
copy short url   نسخ
17/04/2017
1328