+ A
A -
تحتاج أوروبا أو «القارة العجوز» إلى وقفة مع النفس، إذا ما أرادت أن تنجو من بلاء الإرهاب الذي داهمها بالفعل بعد سنوات من الإنكار، عاشت خلالها تحت زيف الاعتقاد بأنها محصنة منه مهما كانت قوة انتشاره في الشرق الأوسط. فقد ثبت بعد تفجيرات بروكسل، ومن قبلها بخمسة شهور تفجيرات باريس، أن تعامل الدول الأوروبية مع الظاهرة من الناحيتين الأمنية والسياسية لا يزال قاصرا، ومن ثم يحتاج إلى مراجعة سريعة.

وقفة صغيرة مع ردود الفعل الأولى لتفجيرات بروكسل التي جاءت على لسان كبار مسؤولى الدول الأوروبية تؤكد أنها لم تستوعب الدروس جيدا من تفجيرات باريس برغم كل التدابير الأمنية والسياسية التي اتخذتها دول القارة منذ نوفمبر الماضى. فمن بلجيكا إلى الولايات المتحدة مرورا بفرنسا وبريطانيا تكررت نفس التصريحات وبذات الكلمات التي تشدد على ضرورة التعاون الأمنى والتنسيق السياسى بين دول الغرب جميعها في مواجهة الإرهاب سواء قام به تنظيم «داعش» أو غيره، بما يعني أن كل ما تم في هذا وذاك بعيد أحداث باريس الشهيرة وحتى أحداث بروكسل، إما كان قاصرا مقارنة بثقل وخطر ما جرى قبل خمسة شهور فقط، أو أنه لم يتم تفعيل ما اتخذته الدول الأوروبية من إجراءات، وفي كل الأحوال يعد ذلك قصورا لا يمكن إنكاره.

وقد يبدو التقصير الأمني مستغربا، بل مستهجنا، إذا حدث في دولة أوروبية مثل بلجيكا أو غيرها من الدول الكبرى الشهيرة في ظل ما تملكه من إمكانات، ولكن هناك تساؤلا مشروعا يطرح نفسه، إلا وهو لماذا لا تلتزم الدول الأوروبية بإجراءات قوية لوقاية نفسها من هذا الخطر برغم ما وصلت إليه من تقدم؟. هنا ترد عدة أسباب، منها أنها بلدان تعودت الانفتاح على مدى التاريخ، ومن ثم فإنها لا تقبل القيود. وتتحسس كثير من هذه الدول من المساس بالحريات الشخصية حتى لو كانت تخص مجرمين أو إرهابيين.

من جهة أخرى، وبعد أن تشكل الاتحاد الأوروبي، أصبح من المستهجن فرض رقابة على الحدود بين دول تؤمن بوحدة شعوبها. وتباين إمكانات الدول لا يحقق ضمان الالتزام.

وأما فيما يتعلق بتبادل المعلومات فإنه بوجه عام عقبة للتعاون بين جميع الدول من الناحية الأمنية لمواجهة الإرهاب لأنه جزء أصيل من خصائص السيادة، وفي حالة أوروبا فإنه بجانب ذلك يتم النظر إليه بوصفه مسألة لصيقة بالحريات الشخصية وهي القيمة التي لا تزال أوروبا متمسكة بها برغم الاحتياج الأمني.

وبرغم وجاهة الأسباب السابقة التي يتم طرحها كلما وقعت أحداث إرهابية في أوروبا، إلا أن هناك ثمنا باهظا تدفعه القارة العجوز يفرض عليها مراجعة مقاربتها لمواجهة ظاهرة الإرهاب. لم تعد الظاهرة بالنسبة لها خطرا وافدا مؤقتا يمكن الخلاص منه بقدر من الخطوات الأمنية، وإنما هي خطر قائم من الداخل مستمر لا تكفي فيه الخطوات الأمنية ويحتاج إلى مقاربة سياسية جوهرها تحقيق الاستقرار لها ولغيرها من بقية شعوب العالم حيث لا إمكانية للحرية في ظل غياب الاستقرار.

الدول الأوروبية سكتت عن نمو الجماعات الإرهابية وعن المتعاطفين معها على أراضيها مقابل أن تصمت على انتشار «داعش» في العراق وسوريا وبعض من شمال إفريقيا طالما لم يوجه التنظيم نيرانه إلى أراضيها أو يهدد مصالحها. ولم يجد التنظيم صعوبة في مفاجأة أوروبا بهذه العمليات في ظل بيئة سياسية تسمح لرجاله وللمتعاطفين معهم بالعمل (ليس هناك اتفاق بين الأوروبيين على وصف محدد للإرهاب ولا حتى على ما تسميه الولايات المتحدة بالتطرف العنيف)، وفي ظل مواقف سياسية مرتبكة، ما بين المضي قدما في السير خلف الولايات المتحدة لضرب التنظيم، وبين التردد في الاستجابة لذلك.

أوروبا في حاجة إلى مقاربة جديدة على المستويين الأمني والسياسي تغاير القناعات القديمة. دون ذلك لن يكون غريبا أن تستيقظ بين وقت وأخر على أصوات التفجيرات.



بقلم : عبدالعاطي محمد

copy short url   نسخ
02/04/2016
2447