+ A
A -
اتسعت دائرة التشخيص لرئاسة دونالد ترامب، بعد فترة من التأمل الهادئ من المحللين السياسيين، لتستوعب آفاقاً لم تطرح من قبل على هذا النحو، تربط وصوله إلى البيت الأبيض، بظواهر عالمية أبعد مدى من الحالة الداخلية في الولايات المتحدة.
أحد الذين تبنوا هذه النظرة، كان الكاتب بانكاج ميشرا المقيم في بريطانيا، وهو بريطاني مولود في الهند، في كتابه «عصر الغضب» AGE OF ANGER، ويقول: ربما يتصور من ينظر لأول وهلة، إلى هذه الأحداث المتباعدة، ليجد ما يربط بينها، أن لا شيء يجمع بينها، على حين أن النظرة المتعمقة سوف تظهر له، أنها كلها جزء من ظاهرة استياء متزايد، من هؤلاء الذين يشعرون بأنهم مهمشون من طبقات أقوى منهم، أو الرافضون تماماً لأوضاعهم.
ولا ينفصل عن وصول ترامب لرئاسة أميركا، تمدد واتساع حركة العولمة، والتي أصبح ينظر إليها كأحد أخطر الشرور، التي أوصلت ترامب للحكم، فهو الذي خاطب ناخبيه مركزاً على ما جلبته العولمة على حياتهم من أضرار، موضحاً أنه سيعمل على إعادة توفير ملايين الوظائف للأميركيين، والتي نقلتها الشركات الأميركية العملاقة، إلى شعوب دول أخرى منافسة لأميركا مثل الصين، بعد أن أسست مصانع ودوائر أعمال لها، في دول خارجية، للاستفادة من ضآلة أجور مواطنيها، بالمقارنة بأجر العامل في أميركا.. وقال ترامب أن استراتيجيته المسماة «أميركا أولاً»، سوف توقع عقوبات على الشركات الأميركية، إذا لم تستثمر في إنتاج أميركي يوفر وظائف للأميركيين.
وبينما يميل المحللون في الغرب إلى إلقاء اللوم على الكثير من المشاكل والمتاعب التي تواجهها شعوب دول عديدة، لكونها السبب وراء تصاعد التطرف والإرهاب العالمي، فإن التشخيص الذي يراه بعض الدارسين يلقى باللائمة على النتائج الضارة للعولمة، فنحن نعيش في عالم شاسع، لكنه صار متجانساً، وأشبه بسوق عالمي واحد كبير، يسعى كل من فيه لتضخيم مصالحه الخاصة، ويتطلعون لاقتناء نفس الأشياء التي تنتج في هذا العصر، بصرف النظر عن ثقافاتهم الأصلية، أو أمزجتهم الفردية. وفي هذا المناخ ظهرت مفاهيم شعبوية، تركز على المصالح الخاصة لبلدهم أولاً.
هذا التشخيص الذي يطرحه بعض المحللين، يجد له صدى في سياسات وأفكار دونالد ترامب، من حيث سعيه لإعادة بناء الاقتصاد الأميركي، بعد سنوات من التراجع خاصة في مجال الصناعة، وإعادة بناء مكانة أميركا العالمية، بطريقة تعيد لها الهيمنة على المسرح العالمي.
هذه المفاهيم حاولت أن تلم برئاسة ترامب، من زوايا متعددة، دون التوقف عند زاوية واحدة بعينها، بالرغم من إيمان البعض بهذه المفاهيم، والتي تعززها أسباب داخلية دفعت ترامب إلى السلطة، منها استياء الرأي العام من سيطرة النخبة على صناعة السياسة الخارجية، وخضوعها لسطوة جماعات المصالح وقوى الضغط، دون الاستجابة لرغبات الرأي العام.
فضلاً عن التراجع في المستويات المعيشية للطبقة الوسطى، التي تمثل تكتل أصوات الناخبين، فإن هناك أسباباً أخرى محلية وإقليمية، وراء ظاهرة انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وانتشار الإرهاب في العالم.
الأولى أن مركز الجاذبية والتأثير على دول العالم، والذي كان يعود بالمنفعة على الدول الغربية، في طريقه للانتقال إلى آسيا تحديداً، والتي صارت دول أوروبية، وفي مقدمتها بريطانيا، تجد من مصلحتها التوسع في علاقاتها معها، خاصة في النواحي التجارية والاقتصادية، بالإضافة بالطبع إلى ما شعر به البريطانيون من أن حدودهم المفتوحة مع دول الاتحاد الأوروبي، تسهل دخول عناصر إرهابية تتسلل من هذه الدول، وتحمل جنسيتها وهو ما يهدد أمنهم.
والسبب الآخر وراء تصاعد الإرهاب، يرجع إلى قدرة جماعات معروفة تاريخياً بأنها داعية للتطرف والإرهاب، على تضليل صغار السن، والترويج بينهم، لأفكار خداعة تقنعهم بأنها تعبر عن الدين وتعاليمه، رغم مخالفة هذه الأفكار للعقيدة الإسلامية أصلاً.
يضاف إلى ذلك استغلال مخابرات قوى كبرى، لما تنشره الجماعات الإرهابية من فوضى، واعتقادها بأن هذه الفوضى تخدم خططاً واستراتيجيات قديمة لهذه القوى الكبرى.. ولما كانت منظمات الإرهاب لا دين لها، ولا مرجعية إنسانية أو أخلاقية، فهي قد نقلت إرهابها إلى قلب الدول الأوروبية ذاتها، وبذلك تصاعدت ظاهرة الإرهاب بشكل خطير.
وبشكل عام فإن مؤلف كتاب عصر الغضب قد اتخذ لنفسه رؤية مخالفة لكثير من النظريات المستحدثة في عالم اليوم، فهو مثلاً يرفض نظرية صدام الحضارات للمفكر الأميركي هنتنجتون، ويقول إن الصدام الآن ليس بين الحضارات، لكنه داخل هذه الحضارات، وأنه خلاصة ميراث تاريخي طويل من عصور الاستعمار، والحروب، والعنف، والسيطرة على الشعوب، وصولاً إلى أكثر ظروف التقدم التكنولوجي تأثيراً، حتى على الدول المتقدمة، ومن داخلها.

بقلم : عاطف الغمري
copy short url   نسخ
14/04/2017
3243