+ A
A -
«صفقة القرن»، عبارة ترددت مراراً أثناء استقبال الرئيس الأميركي لنظيره المصري في البيت الأبيض، حتى بدت قمة واشنطن أهم كثيراً من قمة العرب في البحر الميت. ولم يكن صعباً الاستنتاج أن هذه الصفقة تتصل بالصراع العربي الإسرائيلي وتسوية القضية الفلسطينية. كما لم يكن صعباً استنتاج أن هناك شيئاً ما يجرى خلف ستائر كثيفة، تتعدد أطرافه العربية، وتتسرب الظلال الإسرائيلية إليه. وهذا ما يقودنا إلى أسئلة يصعب الإجابة عنها.
باليقين لسنا أمام مشروع تسوية جديد يلتزم بأي مرجعيات وقرارات دولية بما فيها «حل الدولتين» ووقف الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية. لا توجد إشارة واحدة على أي استعداد إسرائيلي لعقد صفقة ما يتبادل أطرافها التنازلات والمصالح.
الدولة العبرية لوحت بالسلام مع الفلسطينيين من اجل فتح الاقنية إلى العالم العربي. هذه الأقنية صارت ممرات، فلا حاجة إذاً لتقديم تنازل مجاني للفلسطينيين.
والسلطة التي تخلت منذ اتفاق اوسلو عن حقوقها الواحد تلو الاخر على مذبح التسوية لم تحصد سوى الخيبة ولم يبق لديها حقوق. إسرائيل تتعامل مع الفلسطينيين ككم محتقر يكفي أن تعلن عن بناء مستوطنة جديدة لحظة مد قمة عمان يدها للسلام مجدداً.
على أي أساس تبرم الصفقة إذن؟ هل من أفكار جديدة مثل التخلي عن حل الدولتين؟ هل وصلنا الآن إلى التسليم الكامل، علناً ورسمياً، بـ«سلام بلا أرض»؟ أم أننا بلغنا مرحلة تطبيق نظرية شمعون بيريس بإقامة شرق أوسط جديد، أي بالدمج الكامل لإسرائيل في الإقليم من دون أي تنازل إسرائيلي جوهري؟
موازين أوسلو لم تكن متوازنة حين ابرم الاتفاق فكان اتفاقاً اعرج جعل السلطة الفلسطينية شرطة لأمن إسرائيل بكلفة زهيدة. المشكلة الآن أفدح، فمنظمة التحرير الفلسطينية لم يعد منها سوى اسمها، والانقسام الداخلي أخذ من أعدل القضايا الحد الأدنى من التماسك والاحترام، والنظم العربية باختلافاتها لا تعنيها كثيراً بقدر قلقها على مستقبلها عند رسم الخرائط الجديدة في الإقليم بعد انتهاء الحرب على الإرهاب.
من يتحدث إذن باسم الفلسطينيين؟ وعن أي سلام يتحدث؟.. وما المقابل الذي يمكنه من أن يمرر أية صفقة محتملة؟
هناك خشية حقيقية من أن تكون الصفقة دمجاً مجانياً استراتيجياً واقتصادياً لإسرائيل في الإقليم، فلا انسحاب من الأراضي المحتلة ولا توقف عن بناء المستوطنات وتهويد القدس، ولا سلطة فلسطينية لها الحد الأدنى من السيادة.
أخطر ما يقال لتبرير مثل ذلك الدمج أن الحرب على الإرهاب تتطلب توحيد الصفوف العربية مع إسرائيل.
مثل تلك الرهانات سوف تفضي إلى فوضى عارمة في الإقليم تهون بجوارها حمامات الدم الحالية.لا يمكن أن يستقر حال على قهر ينسف أي حق فلسطيني ويستخف بأي أمن قومي.
لم تكن مصادفة أن تتزامن محادثات واشنطن، التي تمهد أميركياً لشيء ما لم تتضح معالمه الرئيسية في القضية الفلسطينية، مع رفع العلم الكردي على المباني الحكومية في كركوك المدينة العراقية الغنية بالنفط والقامات الثقافية في خطوة تمهد لاستفتاء يضمها إلى إقليم كردستان.
التزامن يشير إلى أوضاع جديدة محتملة تتغير بمقتضاها موازين القوى في الإقليم، دويلات تنشأ بعمليات جراحية على الخرائط، ودمج إسرائيل في أي نظام إقليمي ينشأ على أنقاض الجامعة العربية ينفي عن القضية الفلسطينية مركزيتها وحقوقها العادلة.
مما هو مطروح الآن إجراء تعديلات جراحية على المبادرة العربية، التي تقضي بالتطبيع الكامل مقابل الانسحاب الشامل من الأراضي المحتلة منذ عام 1967، وفق الملاحظات الإسرائيلية عليها من دون أية التزامات مقابلة تقتضيها أية صفقة- حتى بالمعنى التجاري!
هل بمقدور أحد أن يتحمل مسؤولية صفقة من هذا النوع؟
لا توجد حجة واحدة يمكنها أن تدعي أن هناك شريكاً إسرائيلياً في أية صفقة سلام ممكنة إلا أن تكون استسلاماً كاملاً.

بقلم : أمين قمورية
copy short url   نسخ
12/04/2017
2965