+ A
A -
بعد طول انتظار، وتراكم جبال النفايات في العاصمة بيروت والضواحي وبعض مناطق جبل لبنان وانسداد أي أفق لحل أزمة النفايات عبر الترحيل إلى الخارج إثر انكشاف فضيحة تزوير موافقة وزارة البيئة الروسية، عمدت الحكومة اللبنانية للعودة إلى حل المطامر بصورة مؤقتة على أن يجري حل جذري للأزمة عبر إقامة معامل للفرز والمعالجة في غضون أربع سنوات.

غير أن ذلك أثار انتقادات شديدة من قوى سياسية وهيئات المجتمع المدني والبلديات في المناطق التي سيجري فيها إقامة المطامر، ذلك أن هذا الحل الحكومي يعتريه الكثير من الثغرات أهمها.

أولاً: إن هذا الحل أعاد مجدداً إحياء دور شركة سوكلين وغيرها من الشركات الخاصة التي تحظى بتأييد ودعم من بعض النافذين في السلطة السياسية، ما يعني أن هناك عودة إلى شبهة المحاصصة في هذا الملف، على الرغم من أن شركة سوكلين متهمة بالضلوع بالفساد وهناك قضية مرفوعة ضدها أمام القضاء.

ثانياً: انعدام الثقة بين الرأي العام والحكومة أصبح أكثر عمقاً من السابق والسبب أن الحكومة عندما اتخذت هذا الإجراء الجديد استمرت في نهجها السابق في معالجة هذه القضية من دون أي شفافية كانت تقتضي لترميم الثقة بينها وبين جميع اللبنانيين أن تقدم على فتح تحقيق في فضيحة تزوير الموافقة على ترحيل النفايات إلى روسيا وتحويل المسوؤلين المشاركين في هذه الفضيحة إلى القضاء، وهو ما لم يحصل، لا بل أن الحكومة تجاهلت ذلك وكأن شيئاً لم يكن.

ثالثاً:إن إقامة المطامر على سواحل البحر الأبيض المتوسط في منطقتي برج حمود، والكوستا برافا في خلدة، شكل صدمة جديدة للبنانيين لأن هذه الأماكن تشكل مناطق حيوية بالنسبة للسياحة والبيئة في آنه معاً، فكيف يتم اتخاذ هذه المناطق أماكن لطمر النفايات وهي ستلحق الضرر الفادح بأي مشاريع سياحية كانت ستقام فيها، وكذلك بالبيئة البحرية، وبالتالي إلحاق الضرر الفادح بمصدر معيشة مئات الصيادين وعائلاتهم إلى جانب الانعكاسات السلبية التي ستصيب الاقتصاد الوطني من جراء ذلك.

رابعاً: أما المأخذ الرابع على الحل الحكومي فيكمن في أن مدة الأربع سنوات مبالغ فيها كثيراً لإقامة المعامل المقرر انشاؤها لفرز النفايات ومعالجتها، ذلك أن بعض المناطق اللبنانية عمدت إلى إقامة مثل هذه المعامل في مدة ستة أشهر كالنبطية، بكفيا، وزحلة وغيرها.

خامساً: عدم إقدام الحكومة على تشكيل لجنة مختصة من الخبراء الذين لا منفعة خاصة لهم من أجل ضمان تنفيذ الحل بطريقة شفافة وتحافظ على البيئة، وتمنع تكرار ما حصل سابقاً من فضائح.

انطلاقاً مما تقدم فان نجاح الحكومة أقله حتى الآن في فرض هذا الحل على الرغم من كل هذه الثغرات المذكورة آنفاً، إنما يكشف عمق الأزمة التي يرزح تحت وطأتها لبنان والنابعة من طبيعة النظام اللبناني القائم على المحاصصة الطائفية والسياسية.

وظهرت أزمة قوى التغيير على نحو واضح في الفترة الأخيرة في مواجهة أزمة النفايات، حيث عندما تحرك الشارع اللبناني من كل الطوائف والمذاهب من اجل إيجاد حل جذري وحقيقي لهذه الأزمة ووضع حد لفساد الطبقة السياسية، لم تتصدى القوى السياسية المعنية بالتغيير لهذا الأمر وتعمل على قيادة الشارع بعيداً عن الحسابات الحزبية الضيقة، بان تشكل إطارا جامعاً لكل القوى والتيارات والجهات التي تشارك في التحرك الأمر الذي أدى إلى سيادة الانقسام في التحركات الشعبية وظهور عدة اتجاهات إلى جانب التباين في الرؤى والأساليب وكذلك الفوضى وأعمال العنف التي طبعت التحرك الشعبي بفعل العفوية من جهة، واختراق بعض المجموعات التابعة للسلطة لحرف التحرك عن مساره عبر ممارسة أعمال التخريب في الوسط التجاري والاعتداء على قوى الأمن.

الخلاصة: إن استمرار الأزمة في لبنان على الصعد كافة إنما يعكس طبيعة النظام الطائفي في لبنان وأزمة قوى التغيير، ويبدو أن هذه الأزمة مرشحة للاستمرار ما لم يحصل تحول حقيقي يفسح في المجال أمام تبلور ميزان قوى لمصلحة التغيير، وهو أمر صعب التحقيق ما لم يتم تغيير قانون الانتخابات النيابية لمصلحة اعتماد قانون وطني وعصري على قاعدة النسبية ولبنان دائرة انتخابية واحدة خارج القيد الطائفي.



بقلم : حسين عطوي

copy short url   نسخ
26/03/2016
838