+ A
A -
أميركا – دولة لا تنام فيها المناقشات السياسية أو هكذا توصف حالة اليقظة والنشاط المستمر بين النخبة، في مراكز الفكر السياسي THIK TANKS، وغيرها من المعاهد الأكاديمية، والمنتديات السياسية. هذا دور ألقى على عائق النخبة من الخبراء والمتخصصين في نظام سياسي، لا ينفرد فيه الرئيس وحكومته، بالتفكير والتنظير، لكنه هو الذي يضع قراراته موضع التنفيذ، فكثير ما يسترشد بما تنتجه هذه المراكز من أفكار، وبدائل لقرارات السياسة الخارجية.

ولأن الرئيس ساكن البيت الأبيض، هو الذي ألقيت عليه مسؤولية صناعة القرار في صورته النهائية، لهذا أصبحت الأحداث المتلاحقة بسرعة غير معهودة في العالم، بمثابة اختبار لقدرة صانع القرار الأميركي هذه الأيام، على التصرف، في التعامل مع وضع عالمي، لم يعد ساكنا أو منضبطا، كما كان عليه الحال من قبل، وملتزما بقواعد يراعيها الخصوم والأعداء، في سنوات الصراع والتنافس على المصالح والنفوذ.

هذه القضية تعرضت لها الخبيرة السياسية الأميركية جيسيكا ماتيوز التي كانت ترأس مؤسسة كارينجي للبحوث السياسية، تقلدت مناصب تنفيذية وتشريعية في الحكومة، وأدارت المركز العالمي لقضايا الأمن القومي.

ففي دراسة مطولة بعنوان «ما هي السياسة الخارجية الملائمة للولايات المتحدة»، قالت ماتيوز: هناك أسباب معقولة للرد على هذا التساؤل: أولها أن العالم يتحرك بسرعة كبيرة، يخرج بها عن حالة التوازن العالمي، التي ساءت لنصف قرن، إلى شيء مختلف تماما، لم تتضح معالمه بعد وإن ضبط النفس الذي كان يحكم علاقة الخصوم، أثناء الحرب الباردة، لم يعد موجودا، بسبب تداخل متعدد اللاعبين الأوليين، خاصة من دول فاشلة، أو منظمات ليس لديها الانتماء، أو الولاء لدول ذات سيادة، وبالتالي للقواعد القانونية للمجتمع الدولي. كما إن الهيمنة الاقتصادية المطلقة للولايات المتحدة، لم تعد قائمة، بعد ظهور قوى دولية وإقليمية، ودخولها حلبة التنافس سياسيا واقتصاديا بقوة.

وإذا كانت الولايات المتحدة، لا تزال هي القوة العسكرية الأولى، إلا أنها تتعرض لمخاطر جديدة. منها هجمات على شبكاتها الإلكترونية، وأنظمة أمنها القومى، وانتشار الإرهاب الدولى غير المنضبط، والذي يمس مصالحها، والانتشار المتسارع لوسائل التكنولوجيا، والتي أصبحت متاحة لدول ضعيفة، أو لمنظمات إرهابية، فضلا عن قوى كبرى. وهو ما قلل من قدرتها على منع أي أضرار قد تلحقها.

وفى سياق المناقشات الجارية، التي تشارك فيها مؤسسات، وخبراء عديدون، فإن كثيرين يتفقون على أن بقاء الولايات المتحدة، قوة عظمى وحيدة، هو الآن أمر يصعب على الدول الأخرى تقبله، كما أن هذا الوضع لم يعد ممكنا في إطار التحولات الدولية الشاملة. كل هذا دفع خبراء أميركيين مختصين إلى طرح السؤال: ماذا يجب على أميركا أن تفعله، وما هي قدراتها لأداء هذا الفعل؟.

من هنا أصبح صانع القرار في الولايات المتحدة محل اختبار، لأن هناك دولا عديدة، قام محور علاقاتها مع الولايات المتحدة، على اقتناع بأنها كلما احتاجت مساندة أميركية في مواجهة أزمة، أو تهديد خارجي، فسوف تجدها إلى جانبها سندا وداعما. إلا أن تلبية أميركا لهذا الاحتياج صار محل شك، أمام التحولات المتسارعة دوليا، وتقليص قدرة الولايات المتحدة على القيام بهذا الدور، وهو ما سبق أن ردده مرارا أوباما، كمبدأ جديد لسياسته الخارجية، حين قال إن الولايات المتحدة، لم تعد تستطيع أن تتصدى وحدها للتحديات لأمنها القومى، ولا أن تتمكن منفردة من حل الأزمات والمشاكل الإقليمية في مناطق العالم. لكنها تحتاج إلى شركاء يتعاونون معها.



بقلم : عاطف الغمري

copy short url   نسخ
13/04/2016
2276