+ A
A -
كانت كارثة حلب مضرب مثل في مدى رخص الدم العربي ثم جاءت الموصل لتـقلب المواجع وتـثبت بما لا يدع مجالا للشك إن الدم العربي أضحى أرخص من التراب في صحراء العرب الكبرى! وهناك مدن عربية أخرى في سوريا والعراق وغيرها دفعت ثمنا باهظا لضعف الدور العربي وتـفكك العرب وشراسة الأعداء وتكاتـفهم وقدرتهم على إغلاق كافة سبل وصول المطالبات الإنسانية العربية حتى في أكثر المنابر حيادية مثل مجلس حقوق الإنسان ومحكمة العدل الدولية، وللآسف معهم عرب بقلوب حيوانات مفـترسة! القـتل والتدمير في المدن العربية أمر بشع لكن الأكثر بشاعة منه «التجاهل الدولي» وكأنه لا يوجد بشر في هذه المدن!
كل قـنبلة أو صاروخ أو برميل متـفجر يسقط على رؤوس الأبرياء هذه الساعة في الموصل أو في الغوطة أو في حي الوعر بحمص يذّكرنا بمآسي العرب في مدن أخرى لعل أقربها إلى ذاكرتـنا كارثة حلب ومن قبلها حمص والقصير والزبداني والفلوجة والرمادي وغيرها! قـتل لم يسبق مثله قـتل ووحشية لا نظير لها تحدث أمام الكاميرات وتبث حيا على الهواء لكن لا حياة لمن تـنادي أيها الضمير الدولي الأعمى! صور مروعة تـنقلها وكالات الأنباء عن الأبرياء المقـتولين أفرادا وجماعات أو المهجرين الغارقين مع أطفالهم في عرض البحر أو الأطباء والممرضين المدفونين تحت أنـقاض المستـشفيات أو أو لكن على من تعرض الصور، الضمير الدولي يقول «لا أرى لا أسمع لا أتكلم»!
ترسم المدن العربية المستباحة صورة قاتمة عن حقوق الإنسان على المستوى الدولي وسوف يسجل التاريخ بكل أسى إنها المرة الأولى في التاريخ البشري التي يتم فيها قصف المستـشفيات والمساجد ودفن الناس الأبرياء تحت أنـقاض بـيوتهم بالآلاف في ظل صمت وتواطؤ دولي غير مسبوق بل إن مؤسسات المجتمع الدولي تـشارك في التهجير القسري وتـشرف على عملية التهجير والتـغيير الديموغرافي بالقوة كما حصل في حمص وداريا وغيرها! لا أحد يستطيع أن يمحو من الذاكرة قـتل أطفال الغوطة بالكيماوي أو قصف قافلات المساعدات الدولية عيانا بـيانا أو تدمير مدينة حلب ومن قبلها حمص بالكامل وتحت انـظار العالم الذي لا يرى إلا «تـنظيم الدولة» ولا يسمع إلا تسجيلات البغدادي السينمائية وكأنه لا يوجد شعب ولا يوجد ناس في مدن العراق وسوريا!
طريقة تـفاعل العالم المريض مع أحدث وأكبر مجزرة وقعت في الموصل الأسبوع الماضي هي طريقة موجعة أعادت إلى الأذهان كيف تعامل العالم الرديء مع مجازر ضد شعب أعزل تحدث في مدن سوريا على مدار الساعة! برر الأميركان مجزرة الموصل ودفن عشرات العائلات تحت الأنـقاض بأنهم ينـفذون طلبا من القوات العراقية المتوغلة في المدينة (طلب من مجهول لقـتل الآلف من المعلومين)! وصمت العالم لأن حجة القـتل المجاني للناس الأبرياء مازالت قوية وتعمل وهي أسطوانة الحرب على الإرهاب وملاحقة تـنظيم الدولة خاصة وأن التـنظيم نـفذ عملية عشوائية أمام البرلمان البريطاني وتسبب في زيادة منسوب العمى لدى مؤسسات المجتمع الدولي الحقوقية والإنسانية والإعلامية!
الأكثر وجعا في كل هذه القصص الموجعة موقف دول عربية في اجتماع مجلس حقوق الإنسان الذي عُقد مؤخرا من «الكارثة الإنسانية» في سوريا التي يصنعها الروس والإيرانيون ونظام الأسد ويذهب ضحيتها السوريين الأبرياء أطفالهم ونسائهم وشيوخهم وبـيوتهم المتواضعة على مرأى من العالم الصامت! لقد حاولت بعض الدول العربية أن تـلفت الانـتباه إلى المأساة السورية المستمرة في مجلس الأمن لكن الفيتو الروسي كان دائما بالمرصاد فلجأت هذه الدول إلى مؤسسات أخرى مثل الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان وغيرها، لكن المفاجأة أن دولا عربـية عريقة مثل مصر (السيسي) وتونس (السبسي) امتـنعت عن التصويت ولم تكلف نـفسها الأمارة بالسوء دعم هذه الجهود العربية المخلصة! كيف يفهم العالم مآسي العرب وبعض العرب يصنعها بـبلاهة!
الأدهى والأمر في مآسي المدن العربية المتـنقلة من سوريا إلى العراق يتـضح أكثر عندما نرى القوى العظمي المتسلطة وهي توظف «المدنيين العزل» لكسر إرادة الشعب السوري كما حدث في إدلب وريف دمشق! عندما هاجم الثوار السوريون مواقع عسكرية للنـظام السوري وحلفائه الإيرانيين في جوبر ودمشق وريف حماة الشمالي وجهت روسيا تـقنياتها وطائراتها وصواريخها المتطورة لتدك بـيوت المدنيين الآمنين في حمورية والغوطة ومدن وأرياف إدلب لغرض كسر عظم المقاومة السورية! إنها حرب قـذرة في عالم قـذر!
القصص الدموية للمدن العربية المسحوقة كشـفت القوى العظمى المنـتـفشة (أميركا وروسيا) وكشـفت المجتمع الدولي الصامت وكشـفت كذلك بعض العرب الأشـقياء والمضحك المبكي أن ثمة «قمة عربـية» على الأبواب!!
بقلم: د. صنهات بن بدر العتيـبي
copy short url   نسخ
28/03/2017
3546