+ A
A -
تكشّفت أوراق أميركية جديدة تثبت أن الحرب الأميركية على العراق في عام 2003 لم تكن حرب اضطرار بل كانت حرب خيار، وأنها لم تكن حرب ضرورة بل كانت حرب افتعال. صاحب الأوراق الجديدة هو تايلور درامبهيلر رئيس وحدة التجسس لحساب وكالة المخابرات المركزية الأميركية في أوروبا. عمل درامبهيلر لمدة 26 عاماً في وكالة المخابرات المركزية الأميركية «سي.آي.إيه» وكان مديراً لمكتبها أولاً في افريقيا، ثم في أوروبا. ولم يعرف عن علاقته بها إلا بعد تقاعده.
في أوراقه السرية التي كشف النقاب عنها بعد وفاته مؤخراً، انه حذر رؤساءه في الوكالة بأن المسؤول العراقي الذي لجأ إلى الولايات المتحدة (قبل الحرب) ونقل إليها معلومات في أواخر التسعينيات من القرن الماضي، تقول إن العراق يملك مصانع لإنتاج أسلحة كيماوية وجرثومية في حافلات متنقلة، هو شخص غير متوازن عقلياً.
وكانت الوكالة قد أطلقت على هذا المخبر اسماً مستعاراً هو «الكرة المقوّسة». وقد اعترف هذا الشخص نفسه فيما بعد، وكان مهندساً كيماوياً، بأنه اختلق هذه الرواية حتى يُمنح حق اللجوء السياسي إلى ألمانيا.
غير أن هذا التحذير لم يصل إلى وزير الخارجية في ذلك الوقت كولن باول. فكانت الكذبة الكبرى التي نقلها الوزير إلى الأمم المتحدة لاستخراج قرار منها بإعطاء الولايات المتحدة الضوء الأخضر لاجتياح العراق. فمن الذي اتخذ القرار بحجب هذه المعلومة الأساسية عن وزير الخارجية؟.. ولماذا؟. وهل يُعقل أن يتخذ مثل هذا القرار من هو دون الوزير رتبةً في هيكلية الإدارة الأميركية؟
تكشف الأوراق السرية للعميل الأميركي درامبهيلر كذلك، عن أمر أكثر أهمية وأشد خطورة. فهو يقول إن الإدارة الأميركية حصلت على معلومات موثوقة من وزير عراقي (في عهد الرئيس السابق صدام حسين) كان على علاقة سرية بجهاز المخابرات الأميركية، تؤكد أن العراق لم يكن يملك أسلحة دمار شامل. وهذا الوزير هو ناجي صبري وزير الخارجية في ذلك الوقت.
بل إن المعلومات التي نقلها الوزير صبري إلى الأميركيين من موقع المعرفة بأوضاع العراق الداخلية، ومن موقع «الصداقة» مع الولايات المتحدة، تقول إن العراق لم يكن يعمل أساساً على امتلاك أسلحة من هذا النوع. مع ذلك أصرّت إدارة بوش على توجيه الاتهام للعراق بإنتاج وامتلاك هذه الأسلحة لتبرير اجتياحه.
ينفي الرئيس السابق لوكالة المخابرات المركزية الأميركية جورج تانت في كتاب له عنوانه: «في عين العاصفة: سنواتي في السي.آي.إيه» AT THE CENTER OF THE STORM: MY YEARS AT THE C.I.A. ان يكون تايلور درامبهيلر قد حذره من أن المخبر العراقي الذي نقل للوكالة معلومات حول امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، كان فاقد الصدقية. إلا أنه لم ينفِ صحة المعلومات التي تتعلق بدور الوزير الأسبق ناجي صبري.
من أجل ذلك، يؤكد درامبهيلر أن القرار باجتياح العراق كان متخذاً مسبقاً، إلا أن التنفيذ كان يحتاج إلى تبرير. فكان اختلاق قضية أسلحة الدمار الشامل.
من هنا السؤال: لماذا اتخذ الرئيس السابق جورج بوش قرار اجتياح العراق؟
لا تزال الوثائق الرسمية التي تجيب عن هذا السؤال طي الكتمان. ذلك انه لم تمرّ عليها السنوات المحددة قانونياً قبل السماح بالكشف عنها. غير أن ثمة عوامل ثلاثة شكلت الدافع وراء اتخاذ ذلك القرار المدمر. العامل الأول هو أن الرئيس بوش كان من صقور الحزب الجمهوري وقد شكل إدارته بما في ذلك الدائرة الصغرى من المستشارين من عناصر من صقور الحزب أيضاً ؛ ومنهم من كان يحمل الجنسية الإسرائيلية إلى جانب جنسيته الأميركية، ومنهم من سبق له أن عمل مستشاراً لرئيس الحكومة بنيامين نتانياهو.
العامل الثاني هو أن الرئيس بوش كان من أتباع منهج الكنيسة المسيحانية الصهيونية في الولايات المتحدة، وهي من الكنائس الانجيلية التي تؤمن بالعودة الثانية للمسيح، وان من شروط العودة قيام صهيون، وبناء الهيكل اليهودي على أنقاض المسجد الأقصى. وكان الرئيس الأميركي يعتقد أن قوة العراق العسكرية تؤخر قيام صهيون على كامل أرض الميعاد، وأنها تشكل خطراً عليها. ولذلك فإن قرار اجتياح العراق كان قد اتخذ حتى قبل حادثة 11 سبتمبر 2001 المأساوية. العامل الثالث هو أن الرئيس بوش كان يحتاج بعد وقوع تلك المأساة إلى القيام بعمل ما يعزز هيبة أميركا التي تلقت طعنة عدوانية في صميم رمزيْها الاقتصادي (برجي التجارة العالمية في نيويورك) والعسكري (مبنى البنتاغون في واشنطن). فقد كان ذلك العمل العدواني الذي تعرضت له الولايات المتحدة حافزاً لتسريع تنفيذ قرار الاجتياح المتخذ مسبقاً.. وليس لاتخاذ ذلك القرار المشؤوم.
ولعل في ذلك ما يفسر الإجراء الخطير الذي اتخذه الحاكم العسكري الأميركي للعراق بريمير بحلّ الجيش العراقي وتسريح قياداته وضباطه وعناصره، بعد وقت قصير من تسلمه مهامه، وذلك تحت شعار «استئصال البعث». وهو الإجراء الذي أدى إلى تشكّل الجماعات المسلحة من العناصر العسكرية المسرّحة للانتقام من الاجتياح الاميركي بعد تسريح الجيش.. ومن ثم التحول إلى الإرهاب. فأبوبكر البغدادي الذي نصّب نفسه «خليفة» على المسلمين، كان ضابطاً صغيراً من ضباط الجيش العراقي الذين جرى تسريحهم.
لقد فجّر اجتياح العراق معاناة تمزق بلاد الرافدين وتهدد دولاً أخرى بالتمزق. وهو ما ينعكس أمناً وسلاماً على إسرائيل. وكان ذلك هو الهدف الأساس من الاجتياح.

بقلم : محمد السماك
copy short url   نسخ
23/03/2017
4483