+ A
A -
يتيم أنا.
رحل أبي، ورحلت أمي.
لا يوما عالميا للأب- في ظني- لكن للأم يوما، كان بالأمس، فيا لوحشة هذه القبلة في الفم- قبلتي- تلك التي لن تستطيع أن تلامس جبين أمي، ولا تقول عني وأنا أطبعها بمحبة على رأسها: لكم أحبك يا أمي.. في هذا اليوم .. أحبك أحبك في كل الأيام.
وحشة هذه القبلة، ليست وحشة البارحة فقط. لقد ظلت الوحشة تسكنها، منذ سنوات طويلة: منذ أن حمل إليّ هاتف صباحي خبر موت امي، وأنا هنا، على بعد آلاف الأميال الجوية، من حيث هي مسجية، أشبه بالحلم الصافي.. البيت عويل، وأصحاب المروءة، في المقابر يحفرون لها قبرا.
لو كنتُ، هناك، لكنتُ بالطبع، قد لثمتُ جبينها طويلا، وقبلتُ الرأس، قبلة الوداع الأخير، وفي القلب لوعة.. في العينين دموع.. وفي الحلق غصة، وفي الكيان كله: إنني يا أمي، لن أقول إلا ما يرضي الله، لكني بالجد على فراقك، لحزيييين.
آه، من المسافة.
آه حين تحرمك من أن تبوس رأس أمك، بوسة الوداع الأخير.
آه منها، إذ تحرمك، أن تنبس إليها ببنت شفة روحك، من بين كل دمعة وعبرة: آه لو كان بإمكاني يا أمي.. آه لو كنتُ أستطيع أن أرد عنك هذا الموت.. هذا الموت الفرَّاق.
آه منها حين تحرمك ألا تشيلها. ألا توسدها.. ألا تبلل قبرها بدموعك..ألا تقعد بأدبك كله، على رأس قبرها، تلقنها الإجابة على أسئلة ما في داخل القبر، والملك على مسافة حرف من أذنها.
أي وحشة هذي- يا صحاب- في تلك القبلة، في فمي.
أي وحشة في أذني، منذ ان انقطع عنها الصوت الحنون: الصوت الذي خبرته مناغاة في المهد، ودعوات طيبة في الصبا والشباب وأواسط العمر.. صوت أمي؟
- اسم الله عليك، يا ابني..
ذلك صوتها. أتخيله الآن، يأتيني منها، وهي في رقدتها السكينة.. يأتيني، يأتيني، والقبلة التي تسكنها الوحشة، تتسربل بكل ندم الدنيا في.. فمي!
بقلم : هاشم كرار
copy short url   نسخ
22/03/2017
2459