+ A
A -
الإنكار كالجريمة.. كلاهما لا يفيد.

الوقائع على الأرض أكثر قوة ووضوحا، ومثولا للعيان من كل النظريات والافتراضات.

الواقع مثلما يؤكد ان ثمة حالة من الكراهية، وانتشارا للخوف من الإسلام، أو ما يطلق عليه «الإسلاموفوبيا» في الغرب، فان قيم المواطنة والكفاءة، مازالت موجودة، واحيانا متغلبة، في تلك البلاد.

بينما معايير الولاء والمحسوبية، هي السائدة في مجتمعاتنا.

اقول ذلك بمناسبة جلوس صادق خان اول بريطاني مسلم على مقعد عمدة لندن.. أي ان مسلما اختاره البريطانيون، ليحكم عاصمة، يصح ان تسميها عاصمة العالم، بالنظر إلى تاريخها وواقعها ايضا.

ولأن الإنكار لا يفيد كما أسلفت.. فليس من الموضوعية ان نغفل تعرض العمدة المسلم إلى حملة تشويه مرعبة، شنها خصومه السياسيون عليه، انطلاقا من كونه مسلما. لكن ذلك يجب ألا ينسينا، انه ورغم تلك الحملة العنصرية الحمقاء، فان خان حاز على اكثر من 55 بالمائة من اصوات الناخبين في العاصمة البريطانية. ما يعني ان تلك الحملات لا تجدي نفعا، اذا ما كذبها الواقع الماثل أمام الناس، وقد فعل خان ذلك بسلوكه وتاريخه السياسي.

ولأن الإنكار لا يفيد، فاللافت ان الرجل لم يتنكر لإسلامه، ليس بعد ان فاز بالمقعد، وانما ابان الحملة الانتخابية الشرسة، حيث أعلن امام الناخبين ووسائل الاعلام الانجليزية والعالمية، انه فخور بإسلامه. لم يفعل خان ذلك، الا لثقته في نفسه وفي دينه وفي ناخبيه.

الدرس الذي يقدمه انتخاب صادق خان عمدة للعاصمة البريطانية، لا يتوقف عند حدود كونه مسلما، وان كان هذا هو الاهم، باعتبارها سابقة في تاريخ العواصم الغربية، لكن ما لا يقل أهمية، هو ان الرجل ايضا، من أصول ليست انجليزية، وانه ابن لمهاجر باكستاني، كان يعمل سائق «باص» بالعاصمة.

أعود إلى الإنكار.. كل ما سبق لم يقدح في كفاءة السياسي الشاب «45» عاما، ولم ينظر الناخبون البريطانيون ايضا إلى عرقه، فهو مواطن انجليزي، ايا كان اصله الذي انحدر منه، أو مسقط رأس عائلته، كما ان مهنة والده ليست من بين معايير الحكم على جدارته بتولي المنصب. بل انه انتصر انتخابيا على منافس يتمتع بكافة المقومات، التي نعدها في أوطاننا معايير للاختيار - لكنهم ومن فضل الله عليهم لا يفكرون مثلنا-، فالمنافس زاك غولدسميث (41 عاما)، مسيحي الديانة، انجليزي الاصل والعرق، ووالده جيمي غولدسميث، يسبق اسمه لقب الملياردير!

الإنكار لا يفيد.. انه درس في قيم الديمقراطية علينا ان ندرسه ونستوعبه ونتمثله، رغم سبق ديننا اليه «لا فضل لعربي على أعجمي الا بالتقوى». ذلك أننا حين نحينا قيم الكفاءة والعلم، وأحللنا مكانهما معايير الولاء والمال، وسدنا الأمر إلى غير أهله، في كثير من المواقع، فاصبح حالنا على ما نعرف جميعا، بل لا أبالغ ان قلت انه قد قامت ساعتنا بالفعل.. «اذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة».. الإنكار لا يفيد.

بقلم : محمود عيسى

copy short url   نسخ
08/05/2016
1057