+ A
A -
هل أبالغ أذا قلت إن نصف المتخرجين حديثا من الجنسين متحمسون للعمل ولكن بشروط.. مكتب خاص وراتب كبير ووظيفة مميزة، وإذا اضطروا بعد انتظار طويل وعلى مضض لقبول ما هو متاح ومتوافر تجدهم ساخطين، يؤدون ما هو مطلوب منهم لا أكثر ولا أقل أو.. لعله أقل، ولا يدعون فرصة تمر دون أن يتذمروا ويعلنوا أنهم يستحقون ما هو أفضل.. لولا «الظروف»..
إن الكائن البشري لا تقرر مصيره الظروف كما قال سارتر، فالخيار يظل بيده إما أن يستسلم أو يقاوم، إما أن يركع أو ينتصب قائما، ويطوع الظروف لصالحه، إن العمل هو القيمة الوحيدة، التي يجب التشبث بها حتى نهاية العمر.. ويمكننا أن نلاحظ في حياتنا الأعداد الكبيرة من الفاشلين بالرغم من مواهبهم وذكائهم وشهاداتهم.. لقد نسوا الواجب القريب منهم، إنهم ينظرون إلى العمل الذي يقومون به نظرة ازدراء.. فأين هذا الواجب البسيط المتواضع من الأحلام الكبيرة والأماني العريضة كما كتب استاذي الراحل «رجاء نقاش»، إن العمل البسيط الرقيق المتواضع والبعيد عن الزحام والضجيج والذي قد لا يكون مغريا ومثيرا هو الباب الضيق، الباب الذي لا يحب الكثيرون أن يدخلوا منه إلى الحياة، لأنهم يفضلون الأبواب الواسعة التي تؤدي للثروة أو الشهرة أو السلطة، والتفكير في هذه الأبواب هو الذي يسمم حياتنا، ويجعلنا نشعر بالفشل والعجز عن تحقيق أحلامنا ويؤدي إلى التمزق النفسي الدائم، قد يكون الباب الضيق خاليا من كل بريق، إلا أنه يؤدي إلى الإحساس بمعنى الحياة، إنه بداية الطريق وبداية الإمساك بالخيط السحري الرفيع الذي يجعل القلب مليئا بالأمل، ويجعل العين تبصر في الحياة أشياء قد لا تراها العيون العادية.. عيون الذين يدخلون من الأبواب الواسعة فيرون الأشياء نفسها ولكن بصورة قاتمة وغائمة.. لقد اعتادوا على الحصول على كل ما يتمنون بسهولة وبدون تعب، المنصب- المال- وربما الشهرة، ولهذا تجدهم دائما يشكون من الملل.. من الفراغ.. من لا شيء ومن كل شيء، أحياء وأموات في نفس الوقت، عبء على أنفسهم وعلى من حولهم وعلى أوطانهم، إن ما نحصل عليه بثمن رخيص أو بدون ثمن على الإطلاق ننظر إليه دون اهتمام كبير، أما الذي نحصل عليه بثمن غال وبعد جهد، فهو وحده الذي يستحق البقاء والتكريم والاهتمام.

بقلم : وداد الكواري
copy short url   نسخ
19/03/2017
3879