+ A
A -
تعالوا نتحاور، نتحدث وإن لم نتفق، لكن على الأقل نمارس الاحترام المتبادل، وإن كنت أقدم عذراً لغياب الإنسانية وموت الضمائر وحضور الأنانية، حتى بات القوي يسيطر على الضعيف بكل لغات العنف، ومع غياب الإنسانية أيضاً يغيب الحوار الحضاري، الذي جعله الإسلام هدفا لإحياء المجتمعات الإنسانية واحترام الإنسان، حقيقةً لا يُعرف الشخص - الإنسان- إلاّ في الوجود الاجتماعي، خاصة العملي الذي هو حقل تحقيق إنسانية ذلك الشخص في مواقف تكون مرآة تعكس إنسانيته، فتظهر عندما يسعى مبادراً إلى تقديم كل ما لديه من إنسانية لذلك الموقف، وبشكل بديهي لا يحتاج للتفكير، فذلك هو الإنسان الجوهر المجرد، أما إذا تصرف بعكس ذلك وأهمل الموقف الإنساني فلن أضع له وصفاً أقل من أنه آفة المجتمع وتشوهاته، وعليه أن يعيد حساباته في إنسانيته لعلها تعود للحياة، ويحيا ضميره بعد الموت، فكلنا يعرف أن إنسانية المواقف الاجتماعية أصل الفكر، وأصل الإنسانية كلها.
إن احترام الإنسان احترام للإنسانية وحالات موت الضمير الإنساني الكثيرة سببها اختلال الموازين عند أصحابها، والتباس المفاهيم واختلاط الصح والخطأ، فلم يستطيعوا التمييز بين الإنسان وبين الكائنات الحية الأخرى، ولم يحكِّموا الضمير «الرقيب الداخلي»، الذي من المفترض أن يكون الدليل والمرشد، فموت الضميرالداخلي هو الإخلال بالمسؤولية، وتحقيق الإنسانية لا بد أن يجد الإنسان نفسه في الآخر، فلا معنى لوجوده إلاّ مع الإنسانية الشاملة، التي تحقق عمق وجوده دون أن يهمش إنسانية غيره، فلا يُظن أن قواعد السلوك الإنساني مستمدة من العرف العام للمجتمع، وأن تطورها وتبدلها نتيجة لتأثير التجارب الإنسانية، الصحيح أن الإسلام هو الذي ارتقى بالنفوس من خلال توجيهها بالقيم الأخلاقية والمبادئ، وترجمتها لسلوك واقعي عن طريق التربية الإسلامية، التي تبني إنسانية الإنسان بغض النظر عن خصائصه الوراثية، والإسلام يفرض تحقيق الإنسانية لتتجاوز حدود المجتمع حتى تصل إلى الإنسانية العامة، والانتماء للعالم كله، وعالمية الإنسان مبدأ يحقق احترام الإنسان وتقديره، وكل إهانة تلحق بالإنسان تلحق بالجنس البشري كله، فالإنسانية - كما أُثبتتْ- ليست مجرد فطرة جاهزة التحضير، وإنما هي حس روحاني يحتاج للعناية والتنظيم ليكبر ويرتقي ويصبح مبدأ يحيا به البشر.
ولا ننكر ان تربية صالحة أنبتت إنسانية مسؤولة لا تتحكم فيها الغرائز والأهواء، تعرف ما يعنيه ماضيها وما يفرضه حاضرها، وحجم ما تعدّه للمستقبل، مسؤولة عن علاقتها بالآخرين، وتقدم كل ما تستطيع تقديمه لتسعد الجميع، بل وتعين وتتعاون بكل ما تصلح به الحياة، وتسعد به النفوس، وتعمل بنقاء الضمير، وتعيش للجميع للمجتمع والوطن محققة أسمى الأهداف بنبل الأخلاق، وسمو المبادئ في كافة المجالات المختلفة، وتمثل الإنسانية المجردة.
وبمناسبة الحديث عن الإنسانية ألم تسمعوا عن «الميت الحي»؟! انا أسميته هكذا، فحولنا يوجد الكثير من الموتى يتحركون ويأكلون ويشربون، ويتحدثون ويضحكون ويبكون، لكنهم موتى، هؤلاء موتى الضمير، وموتى الإحساس، ممن يمارسون الحياة بلا حياة.
بشر غير البشر لا نعرفهم يعيشون معنا على هذه الأرض ولكنهم غرباء عنا، رغم هذا التباعد الذي لا يجمعه سوى تشبيه الصور، فإننا نتعامل معهم ونحفظ ملامحهم لنكتشف حقيقة أنهم خارج إطار التحلي بالأخلاق والإنسانية، فالأموات الأحياء كثيرون جدا، ولم يعد المعنى الحقيقي للموت هو الرحيل عن هذه الحياة، هناك من يمارسون الموت بطرق مختلفة ويعيشون كل تفاصيل الموت وهم ما زالوا على قيد الحياة، يموتون بلا موت، ويحيون بلا حياة، فلماذا نهتم بالروح ما دمنا قد ألغينا ذواتنا وإنسانيتنا، ولم تعد لدينا المقدرة لوضع حد للمعاناة، ولم تعد لدينا الجرأة كي ننظر لمستقبلنا خوفاً من الثمن الباهظ الذي سيدفع في زمن متأرجح ومخيب للآمال، لذلك لا نستطيع أن نخدع الحياة حتى وإن عزلنا أنفسنا وانفردنا بأنفسنا، لا يمكننا الهرب والتعالي على الجراح والألم.
أيها الإنسان هل من الضروري أن تملك ضميرا تجعله مستترا خلف أفعال لا تمت للإنسانية بصلة، وصباحكم إنسانية لا تتنكر لطبيعتها قرائي الاعزاء.

بقلم : ابتسام الحبيل
copy short url   نسخ
18/03/2017
8081