+ A
A -
مثل الموصل برزت منبج كعقدة سياسية في الشمال السوري تـتجاذبها أطراف عدة وتحالفات متعددة حيث يتواجد الروس والأميركان والأكراد والإيرانيون والأتراك، لكن ليس للعرب (سكان المنطقة) تأثير أو قدرة على التـغيـير! التحركات التي تدور في محيط مدينة منبج تدل على إن كل طرف يعمل لمصلحته وكل تحالف يحشد لتحقيق أهدافه في حين يٌـشرد العرب في العراء وتٌـصنع الاستراتيجيات وهم كما قال الشاعر قديما: ويقضى الأمر حين تغيب تيم ولا يستأذنون وهم شهود!! ومن الملاحظ أن الضغط على الأتراك وتحالفهم مع الجيش السوري الحر يزداد كلما اقـتربت ساعة الحسم في منبج من الحقيقة!
التحركات السياسية والعسكرية حول منبج تـشابهت بقدر كبـير مع أحداث ما قبل الهجوم على الموصل في العراق حيث كان هناك شد وجذب لإخراج العرب (سكان الموصل) من الملف بلا مكاسب ولا حاضر ولا مستـقبل إنما قـتل وسحل وتـشريد وتهجير! ورغم محاولات تركيا التي بدت وكأنها محاولات فردية كما حصل في أحداث بعشيقة إلا أن الدور التركي كان موجودا رغم ضعفه أما الدور العربي فمخنوق حد الفجيعة! ما يجري في منبج قبل الهجوم المرتـقب على المدينة الوادعة يدل على إن تجربة الموصل ومن قبلها الفلوجة والرمادي ستـتكرر حيث يعتبر تواجد تـنظيم الدولة في المعادلة أمر كارثي على العرب وأهل السنة بالذات حيث يُرمون مباشرة إلى طرف المعادلة الأضعف بل إلى الطرف المسحوق، ولا بواكي لهم!
والملاحظ بشكل عام أن أهل السّنة في منطقة الهلال الخصيب يدفعون ثمنا فظيعا بسبب ربط تـنظيم الدولة بالسّنة ولن يلتـفت أحد لكل ما قام به تـنظيم الدولة من فظاعات ضد أهل السّنة أنـفسهم في دير الزور وشمال حلب ومدن أخرى حتى في مدن وبلدات إدلب والجنوب السوري! أما السكان العرب في المساحات القريـبة من مناطق تواجد الأكراد فيدفعون ثمنا أكثر فظاعة بسبب ربطهم كذلك بتـنظيم الدولة رغم إن التـنظيم حادث في الخمس سنوات السابقة وهم (أي العرب) متواجدون على هذه الأرض منذ مئات السنين، لكن من يفهم؟ من يرحم؟
المخفي في ملف منبج أعقد من المعلن بكثير! قدم الأميركان وعدا للأتراك بمنع قوات الأكراد (وحدات حماية الشعب الكردية) من التواجد غرب نهر الفرات لكنه اليوم وعد يذكرنا بمواعيد عرقوب! عندما اقـتربت قوات درع الفرات (المدعومة من تركيا) من منبج أرسل الأميركان قوات أميركية خاصة بحجة الرغبة في منع حدوث تصادم لكن الرسالة وصلت للأتراك وهم يسمعون جيدا! وفي اجتماع عسكري مشـترك قرر اللاعبون الكبار إشراك القوات الكردية في الهجوم على الرقة ما يجعل من الأكراد طرفا قويا على الأرض وفي السماء رغم الامتعاض التركي! ومن الملاحظ أن الاجتماع الذي عُقد في أنطاليا التركية لم يشفع للأتراك لكي يضعوا شروطهم على الطاولة ما يوحي بأن أحداث الشمال السوري أصبحت «شأن دولي معقد»!!
تزايدت التحركات الدولية لمعالجة «عقدة منبج» ومن بعدها «عقدة الرقة» وظهرت المكوكيات السياسية في موسكو وطهران وأنقرة وعواصم أخرى حتى إن تل أبيب أخذت تبحث عن «دور» أو «لحمة كتف» مع أحبابها المسيطرين على ملف الأزمة (الروس والأميركان) وحول ذلك تداول نتانياهو وبوتن الأمور وأشبعوها نـقاشا وقسمة وأصحاب الشأن في شأن! وقد تعالت التصريحات من كافة الأطراف سواء كانت تصريحات عنـترية أو تصريحات تصالحية بشكل يوحي بأن البعض يـبحث عن «مصلحة» والبعض الأخر يـبحث عن «حماية» من الأثار التدميرية المتوقعة للمعارك في الشمال السوري، لكن أين العرب؟ السكان العرب مشردون والساسة العرب مشـتـتون وتائهون ولا حياة لمن تـنادي!
من ناحية أخرى، لنظام الأسد حلفاء أوفياء كبارا وصغارا فأما الكبار (الروس) فهم يسيطرون على ملف الشمال السوري ويسيرونه لمصلحتهم ويخدمون نظام الأسد استراتيجيا بشكل واضح! أما الحلفاء الصغار (الميليشيا الإيرانية، وللمفاجأة الميليشيا الكردية كذلك) فهم يخدمون نظام الأسد تكتيكيا وعلى الأرض بشكل لم يعد من الممكن تجاهله! عشرات القرى والبلدات السورية في الطريق إلى منبج تسلمها نظام الأسد مجانا من الميليشيات الكردية ومن قوات تـنظيم الدولة المنسحبة نحو الرقة!! ما يوحي بأن الحرب في الشمال السوري تدور في كواليس المخابرات تماما كما تدور على الأرض المحروقة وفي المكاتب المزخرفة! لكنها لا تدور في العقل العربي ولا الضمير الإنساني كما يجب! فقد رتب المحاربون طرقهم وتحركاتهم وبقي للعرب تعداد المآسي من مدينة إلى أخرى في طول الهلال (العربي) الخصيب وعرضه!!.
بقلم: د. صنهات بن بدر العتيـبي
copy short url   نسخ
14/03/2017
4699