+ A
A -
مدهش ومحبط في آن معا رد فعل بعض المثقفين السوريين العلمانيين على اقتحام «جيش الإسلام» في مدينة دوما السورية على مكاتب مجلة «طلعنا على الحرية» وبعض المكاتب التابعة للمجتمع المدني في دوما، إثر نشر المجلة لمقال تم اعتبار أنه يمس بالذات الإلهية، لم يكتف جيش الإسلام باقتحام المكاتب وتدميرها، بل أخرج مناصريه بمظاهرة تطالب بإحالة هيئة تحرير المجلة والكاتب إلى القضاء الشرعي، الذي سيحكم حتما بتكفير المتهمين وإقامة الحد عليهم، وحد الكفر هو القتل، وهو ما طالبت به وحرضت عليه مناشير توزعت في مدينة دوما تحوي صور هيئة تحرير المجلة والمسؤولين عنها في مدينة دوما، وتطالب بالقبض عليهم احياء أو أمواتا.
جيش الإسلام نفسه الذي أخفى منذ أكثر من ثلاث سنوات أربعة ناشطين مدنيين كان لهم دور كبير في إنتاج أول صيغة لهيئة مدنية في المناطق التي سميت محررة وقتها، دون أن يعترف حتى الآن بإخفائهم، ودون أن يعلن مسؤوليته عن ذلك، ودون أن يقدم اية معلومة حول مصيرهم.
لا عجب طبعا، فجيش الإسلام ليس أكثر من ميليشيا مسلحة تتبع الإسلام الجهادي، وتقاتل النظام السوري قتالا عقائديا يهدف إلى استلام السلطة، وفرض الدولة الإسلامية أو دولة الخلافة، لم يعترف جيش الإسلام ذات يوم بالثورة السورية ولا بإهدافها، وبالنسبة له الديمقراطية كفر مبين والحرية مجرد هرطقة، فلا عجب إذا أن يخفي نشطاء مدنيين يسعون لإقامة دولة قانون ومواطنة وتداول سلطة، وتحتل فيها الحريات الفردية النسق الأول.
مفهوم جدا أن تقوم ميليشيا مسلحة جهادية بتصرف كهذا، فهو من صلب منهجها الفكري، أما غير المفهوم هو أن يعلن مثقفون علمانيون عدم تضامنهم مع المجلة، لأن المقال يستفز مشاعر المسلمين الضحايا حسب ما ادعوا، علما أن كاتب المقال مسلم ومقيم في سوريا، كما سمعنا، وليس علمانيا، فلن يكون هؤلاء المثقفون العلمانيون أكثر حرصاعلى مشاعر المسلمين من الكاتب المسلم المؤمن نفسه، هل انتبه هؤلاء أنهم بإعلانهم عدم تضامنهم مع المجلة وكاتب المقال فإنهم يوافقون ضمنيا على الأقل مع الحملة التحريضية ضد الكاتب وضد المجلة؟ هل انتبهوا أنهم بذلك يوافقون على قتل المختلف وصاحب الرأي وصاحب الكلمة تحت ذرائع واهية، ويوافقون على تأجيل الحديث عن حرية المعتقد والتفكير والرأي إلى ما بعد، إذ لا صوت يعلو اليوم فوق صوت المعركة، وهو نفس الخطاب الذي اعتمدته الأنظمة التي يدعون مناهضتها طيلة خمسين عاما: تأجيل الحديث عن الحريات والمجتمع المدني بسبب وجود العدو الإسرائيلي، حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم من خراب عميم، يبدو أن بعض المثقفين العلمانيين لم يفقدوا بوصلتهم فقط، بل فقدوا مصداقيتهم كمثقفين نقديين كان يمكن لهم لعب دور تنويري في هذه المرحلة الموغلة في الظلام.
بقلم : رشا عمران
copy short url   نسخ
14/03/2017
4322