+ A
A -
يخطئ من يظن أن أحداث التاريخ وصراعاته ليس لها علاقة في صناعة الحاضر أو التأثير على المستقبل، فالتاريخ بالنسبة للأمم هو جذورها وعمقها وامتدادها لاسيما إذا كانت أحداثه مرتبطة بالدين والهوية وهو الذي يشكل حاضرها ويصنع مستقبلها، وأوروبا مهما أظهرت من تجمل لم ولن تنسى أن المسلمين قاموا بإقامة حضارة إسلامية دامت قرونا في الأندلس وأضاءت للأوربيين مستقبلهم الذي صنعوا منه حضارتهم الحالية، لكن المسلمين حينما تخلوا عن أسباب النصر والقيادة دارت عليهم الأيام وسقطت دولتهم وساد الأوروبيون لأنهم أخذوا بأسباب القوة، كذلك لم ينس الأوروبيون أن العثمانيين حاصروا فيينا ثلاث سنوات ثم هزموا بعدما اجتمعت عليهم جيوش أوروبا تحت راية الصليب فردوهم عنها وعن مناطق كثيرة في أوروبا بعد ذلك حتى انزوى المسلمون في البلقان بعد ذلك وحافظ أهل البلقان على دينهم رغم ما تعرضوا له من حملات عسكرية وفكرية وغيرها، ولأن تركيا بعد سقوط الخلافة الإسلامية سارت في نفس التوجه الأوروبي العلماني وتركت هويتها الدينية وراء ظهرها فقد سعت أوروبا لاحتوائها وأدخلتها حلف الأطلسي وأقامت علاقات ثقافية وسياسية معها لكنها لم تنس أن تحت الرماد في تركيا وميض نار يمكن أن يعيدها إلى تاريخها ويحاول أن يصنع لها مستقبلا يقلق أوروبا من جديد، وهذا ما حدث مع نجم الدين أربكان حينما تولى رئاسة الحكومة وحاول أن يحقق تحالفا بين الدول السبع الإسلامية الكبرى في مواجهة الدول السبع الغربية الكبرى، وأقام بالفعل أمانة عامة ما زالت قائمة في اسطنبول، لكنه الغرب الذي انتبه بقوة لخطوات أربكان أوحى للعسكر أن يطيحوا به وقد فعلوا حيث كان العسكر منذ سقوط الخلافة الإسلامية هو الحارس الراعي للنظام العلماني . أما رجب طيب أردوغان فقد أدركوا أنه لا يعيد تركيا فقط إلى هويتها الدينية وإنما ينهض بها اقتصاديا وسياسيا وعسكريا وثقافيا ومن كافة النواحي فقرروا أن يواجهوه لإجهاض مشروعه، فالغرب يدرك أن العرب والمسلمين طالما أنهم بعيدون عن دينهم وهويتهم فيمكن السيطرة عليهم وإخضاعهم والتمكن منهم ومن فرض الأمر الأوروبي والغربي الواقع عليهم، أما إذا فكروا بالعودة لهويتهم ودينهم فإن يقظة الأمة الإسلامية لا يمكن أن يعيقها شيء لأنها تملك كل مقومات السيادة، وأعتقد جازما أن أردوغان يدرك تماما أن أوروبا لن تسمح بدخول تركيا للاتحاد الأوروبي المسيحي الذي كشر عن أنيابه مؤخرا ودعم مع الولايات المتحدة حسب مسؤولين أتراك محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة التي جرت في شهر يوليو من العام الماضي، ثم يسعى الآن للتضييق على الأتراك حتى لا يتحولوا للنظام الرئاسي رغم أن هذا شأن داخلي تركي سيقرره الشعب التركي لكنهم يدركون جيدا أن يقظة المارد التركي يمكن أن تؤدي إلى تراجع مكانة أوروبا التي يشكل الأتراك امتدادا طبيعيا في قلبها ليس من خلال الأتراك المقيمين فيها ولكن من خلال خمسة عشر مليونا يقيمون في شرق أوروبا في منطقة البلقان.
الصدام الأوروبي التركي قادم لا محالة، لكن كل العوامل ليست في صالح أوروبا في هذه المرحلة .

بقلم : أحمد منصور
copy short url   نسخ
14/03/2017
178046