+ A
A -
تقترب فرنسا من موعد الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية فيها، المقررة في 27 أبريل المقبل، في ظل اشتداد التنافس بين مرشح الوسط إيمانويل ماكرون، ومرشحة اليمين المتطرف (الجبهة الوطنية) مارين لوبن التي ترتفع شعبيتها، وتزداد حظوظها على خلفية انقسام واضطراب اليمين الوسط، الذي دخل في أزمة أضعفت قدرته على التماسك في خوض المعترك الانتخابي،
فيما اليسار بكل منوعاته يرزح في حالة من التشرذم والتشتت، خصوصاً بعد تفاقم أزمة «الحزب الاشتراكي» وانشطاره على خلفية خيانته لمبادئ الحزب وقواعده، وانحيازه إلى جانب مصالح الشركات الرأسمالية ضد العمال الذين يدافعون عن مكتسباتهم في وجه محاولات الانقضاض عليها، عبر تعديل قانون العمل.
إن المتابع للمشهد الانتخابي الفرنسي يلحظ جملة من التطورات الدالة على هذه الأزمة التي تشهدها الأحزاب التي تناوبت على الحكم في البلاد، وعجز هذه الأحزاب عن تجاوزها عدا عن القدرة على التماسك في المعركة الانتخابية.
فاليمين المحافظ الوسطي الذي يمثله الجمهوريون، برئاسة فرنسوا فيون، علق الآمال على صعود شعبية فيون، والرهان عليه في قيادته نحو التربع على عرش الإليزيه، وتجنيب فرنسا تجرع كأس مماثلة لتلك التي شربتها أميركا بصعود ترامب إلى سدة الرئاسة، من خارج إرادة الحزبين الجمهوري والديمقراطي، حيث تتهيأ مارين لوبن لتكرر المشهد الأميركي بمشهد موازٍ في فرنسا.
غير أن هذه الآمال سرعان ما بدأت تضعف وتتهاوى مع الاتهامات التي وجهت إلى عائلة فيون (زوجته وأولاده) بالعمل في وظائف وهمية وجني أموال ضخمة من ورائها، وأدت هذه الاتهامات لـ فيون، في السماح بذلك، إلى ارتباك اليمين، وإضعاف عزيمته في التراص بقوة خلف فيون، في مواصلة خوض الانتخابات، فيما بديله، الذي نال المرتبة الثانية بعده في الانتخابات التمهيدية، آلان جوبيه لا يملك الرصيد الكبير في القاعدة الحزبية، كما هو حال فيون الذي سارع إلى استخدام ورقة الشارع لتعويم حضوره ودعم موقفه بالإصرار على مواصلة السباق الرئاسي وعدم التخلي أو التراجع تحت ضغط الاتهامات له بالفساد، وهو نجح في حشد عشرات الآلاف من مناصريه.
وبدا واضحاً المأزق الذي دخل فيه الجمهوريون. ذلك أن جوبيه إذا ما اختير من قبل قيادة الحزب سوف يؤدي إلى انقسام القاعدة الحزبية بشأنه ودفع الناخبين المعارضين لتوجهاته للتصويت لمصلحة زعيمة الجبهة الوطنية مارين لوبن.
ورأت صحيفة ميديا بارت الفرنسية أن فرضية تأهل لوبن إلى الدورة الثانية تبدو واقعية أكثر فأكثر، وإنه إضافة إلى استطلاعات الرأي التي تبينّ تفضيل الجمهور للوبن، فإن أداء «الجبهة الوطنية» الانتخابي منذ عام 2012، وتمكنها من كسب الانتخابات المحلية في ست مناطق، أسهما في تأكيد القوة الانتخابية التي تتمتع بها والتي تكسبها أياها العديد من العوامل أبرزها:
أولاً: عامل الأزمة الاقتصادية المتمثلة بتراجع معدلات النمو في البلاد والعجز في الموازنة.
ثانياً: عامل الأزمة الاجتماعية المتجسد في ازدياد نسبة البطالة وتدني القدرة الشرائية.
ثالثاً: عامل تنامي خطر الإرهاب في قلب فرنسا على إثر تزايد الهجمات الإرهابية، وتحميل المسؤولية في ذلك للحزبين الاشتراكي والجمهوري، بتوفير بنية حاضنة للإرهابيين، والتسبب بتدفق المهاجرين واللاجئين من بلدان عربية وافريقية إلى فرنسا، هذا إلى جانب تبني لوبن خطاباً قومياً متطرفاً مماثل لخطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
من هنا فإن المشهد الانتخابي، عشية الدورة الأولى من السابق الرئاسي، يؤشر إلى أن اليمين في أزمة تهدد بانقسامه وتشظيه، واليسار مبعثر وأطرافه غير متفقة على التوحد خلف برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي واحد يعبر عنه مرشح واحد يمثله.
لهذا يبدو أن الطرفين المستفيدين من أزمة اليمين المحافظ، وتشتت اليسار، هما المرشحان لوبن وماكرون، المرجحان للفوز في الدورة الأولى وخوض السباق الرئاسي في الدورة الثانية. هذا إلاّ إذا حصلت تطورات أدت إلى توحد واتفاق اليمين المحافظ والوسط على مرشح جديد ينقذ حزب الجمهوريين من التصدع والانقسام خلال وبعد الانتخابات.
من هنا فإن المشهد الانتخابي الفرنسي، إذا ما استمر على هذه الحال، يبدو أنه يتجه إلى احتمال فوز مرشحة اليمين المتطرف، التي تقدم خطاباً يحاكي مشكلات أغلبية الفرنسيين، تماما كما فعل الرئيس الأميركي ترامب في حملته الانتخابية، وتمكن عبره من الفوز في الانتخابات والوصول إلى البيت الأبيض.
بقلم : حسين عطوي
copy short url   نسخ
11/03/2017
4136