+ A
A -
في استدعاء ملفت للتاريخ، تحدث قائد الحرس الثوري الإيراني السابق وأمين عام مجمع تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي في أواخر شهر فبراير 2017، عن الاخطار التي تهدد نظام الجمهورية الإسلامية. رضائي الذي كان يتحدث في لقاء جماهيري في مدينة لنجان في منطقة أصفهان أشار الى الاخطار الداخلية التي تتهدد إيران من حيث تفاقم مسألة الفساد وتبعاتها السيئة على المجتمع والتصور السلبي الذي تتركه على الناس ومشاعرهم نحو الدولة والنظام.
لم يكن الفساد ونتائجه الوخيمة على المجتمع والدولة في إيران الموضوع الوحيد الذي كان يشغل بال رضائي، اذ تناول السلوك العام للنظام بطريقة ظهرت غير مباشرة. وفق رضائي فإن الاهتمام بالمسائل الخارجية على حساب المسائل الداخلية ينذر بتراكم التبعات السلبية والتي قد تصل الى انهيار النظام. في هذا السياق يستدعي رضائي تاريخ دولتين في تاريخ إيران الحديث وهم الدولة الصفوية 1506-1734 والدولة القاجارية 1796-1921، إذ يرى أن انشغال الدولة الصفوية والقاجارية في حروب وصراعات خارجية وعدم اهتمامهما بالمجتمع الايراني في ذلك الوقت عجّل في انهيارهما. المعروف أن الدولتين المذكورتين كانت في حالة صراع مع الدولة العثمانية وقد استطاعت الدولة العثمانية أن تهزم الدولة الصفوية في معركة جالديران في العام 1514حالة الصراع والمواجهة كانت أيضا بين الاوزبك والدولة الصفوية وكذلك بين الدولة القاجارية والدولة العثمانية والدولة القاجارية وروسيا التي استطاعت ان تهزم الدولة القاجارية وتجبرها على التنازل عن معاهدتي كلستان وتركمنجاي حيث تنازلت بموجبهما عن أراضي لصالح روسيا.
الملفت للانتباه للاستدعاء الذي قام به رضائي للتاريخ أنه يربط بين الجمهورية الإسلامية وبين هاتين الدولتين بطريقة ربما غير مقصودة لكنها- تحوي بعض المنطق والتناغم. فالصفوية قادت التغيير المذهبي في إيران والقاجارية هي التي عملت على تثبيت اركان هذا التغيير بما في ذلك سلطة رجال الدين ودورهم في المشهد السياسي وهو ما تفعله الجمهورية الإسلامية منذ 1979، لقد أسست الدولة الصفوية لسلطة رجل الدين في المجتمع الشيعي الايراني بطريقة قوية عبر جعله المرجع في الأمور الدينية وكذلك السياسية، وهو ذاته الامر الذي عززته الدولة القاجارية حين ساد فيها الحوار حول طبيعة الدور الديني والسياسي لرجل الدين في ظل غياب الامام المنتظر.
يبدو في مقاربة رضائي لأوضاع الجمهورية الإسلامية ومقارنتها بالدولة الصفوية والقاجارية بأنه يسعى لعكس عوامل قلق الناس والمجتمع مما آلت اليه الامور اقتصادياً وتأثيرات ذلك على السياسة والامن الداخلي، لكن ذلك لا ينفي أن ثمة رسائل حول السياسة الخارجية الايرانية مع جوارها، ذلك أن أزمات الدولتين التي ضرب بهما المثل وهما الصفوية والقاجارية بدأت في علاقاتهما مع جوارهما والذي شغلهما عن مسائل داخلية هامة.
استدعاء التاريخ لا يتم دون غاية، وعندما يستدعي الافراد العاديون التاريخ فإنما يسعون للعبرة وأخذ العظة، لكن الامر مختلف جداً اذا ما تحدث السياسي او القريب من دوائر صنع القرار لإن الاستدعاء في مثل هذا السياق انما يعكس قلقاً ودعوة في مراجعة الاولويات والسياسات بطريقة مختلفة لا تهمل الداخل، ذلك أن الإهمال المتواصل للجبهة الداخلية له من النتائج السلبية الكثير والتي ستترك آثارها ولو بعد حين وفق رضائي.
بقلم : محجوب الزويري
copy short url   نسخ
08/03/2017
4535