+ A
A -
ظهرت كتب كثيرة لا حصر لها تتحدث عن النجاح وتحقيق الأهداف والسبل التي تذلل الصعاب لكل من يسعى لايجاد موطئ قدم بين النابهين والمميزين والناجحين، ولعل أقرب هذه الكتب إلى النفس وأكثرها بساطة وسهولة في التنفيذ والتطبيق كتاب «غير حياتك» لجون بيرد. وهو رجل بدأ من الصفر، بل أقل من الصفر إذا جاز التعبير، تشرد في سن الخامسة، وفي السابعة أدخلوه لإحدى دور الأيتام رغما عنه، وفي العاشرة احترف السرقة والسطو على المنازل وتخريب الممتلكات العامة والخاصة، وإشعال الحرائق ربما للفت الانتباه، ثم حدث أمر غير حياته، إذ قبض عليه ذات مرة بعد هروبه من الاصلاحية، وكان العقاب قاسيا على طفل لا حول له ولا قوة ولا يملك حق الرفض أو الاعتراض، إذ طلبوا منه حرث حقل كبير بمجراف ومذراة، كنوع من العقاب وإن كان الهدف كما قال فيما بعد هو انهاكه وإذلاله، وحتى لا يمكنهم من ذلك وقف يفكر وأمامه مساحة كبيرة من الارض المطلوب منه حرثها، ثم انحنى والتقط عودا سميكا وأخذ يقسم الحقل إلى مربعات صغيرة، وبدأ في العمل، وفي كل مرة كان تركيزه محصورا على مربع واحد لا أكثر، وكلما انتهى من مربع انتقل إلى آخر وهكذا.. حتى أنهى المهمة المطلوبة منه دون أن يشعر بالملل أو اليأس، وهكذا اكتشف وهو في سن مبكرة أن القيام بالخطوة الصغيرة يجعل الانتقال إلى الخطوات التي تليها اكثر سهولة، ومكنه هذا الاكتشاف من تعديل مسار حياته، فبدأ بالعمل الجاد وتزوج وأنجب، وفي سن الخامسة والاربعين أسس مجلة اطلق عليها اسم الإنجاز الكبير، ووظف صحفيين ذوي خبرة، واستعان بكتُاب مشهورين للكتابة في مجلته، وقام بخطوة غير مسبوقة إذ سمح للباعة المشردين من صغار السن ببيع المجلة بعد شرائها بمبلغ رمزي، والاحتفاظ بالارباح لأنفسهم، مما شجعهم على تحمل المسؤولية والتحمس للعمل الذي يجنبهم المشاكل وملاحقة الشرطة، ويوفر لهم في نفس الوقت مصادر الرزق، وبعد أربع سنوات فقط من إنشاء هذا المشروع الذي خدم فئة كبيرة من المرفوضين اجتماعيا، حصل على جائزة الملكة المخصصة لمن يخدم المشردين، كما شجع رجال الاعمال على تأسيس مشروعات مماثلة لخدمة المجتمع، وفي كتابه «غير حياتك» يقول جون بيرد:- إن عدد الذين طلبوا مني فيها أن أشرح كيف تمكنت من إنشاء مؤسسة كبيرة مثل «الاصدار الكبير» يجعلني أدرك أن من يعرفون كيف يُقسمون الامور إلى خطوات صغيرة هم قليلون، إن ما لا يدركونه هو ان حتى أعظم وأضخم المشاريع ما هي إلا نتاج الكثير من الأمور الصغيرة، فتقسيم الامر الكبير إلى خطوات صغيرة هو جوهر ما أطلق عليه قاعدة الـ3%. وهذا ما مررنا به جميعا، تعلمنا الحبو ثم السير ثم الكلام ثم استمررنا في اكتساب وتطوير مهارات أكثر مع الوقت، وعندما انشأت المؤسسة كان المشردون الذين يأتون الينا بقايا حطام، فقد فقدوا كل شيء، فكيف لنا أن نعيد تكوين أشخاص آلمتهم الحياة وانحدروا إلى العيش في الشوارع وإدمان المخدرات والاكل من القمامة وتمرغوا في أعمق أعمق قاع المجتمع، كيف يمكن لنا ان نصحح مسار حياتهم، إن طلبك من الآخرين أكثر مما في وسعهم يعني أنك تعدهم وتعد نفسك للفشل. ونحن لا نطلب منهم سوى مقدارا صغيرا من الجهد يعادل 3% فقط..

بقلم : وداد الكواري
copy short url   نسخ
07/03/2017
2630