+ A
A -
إن ما يعيشه لبنان اليوم هو تسوية تم إخراجها من عنق الزجاجة، وفي لحظة إقليمية خاطفة لو تأخر إنجازها أسبوعا واحدا فقط لربما كان لبنان لا يزال غارقا في فراغ رئاسي يقارب ثلاث سنوات، ومعرضا لتدهور أمني خطير. وهذه اللحظة تجسدت بانتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية قبل اسبوع فقط من فوز دونالد ترامب بالرئاسة الاميركية وتوجيه سهامه فورا نحو إيران. تسوية قضت عمليا على تحالف قوى 14 آذار، الذي خاض معركة الاستقلال الثاني وإخراج جيش الاحتلال السوري من لبنان، وبتسليم سعد الحريري بشروط «حزب الله» أي القبول بعون رئيسا وبتشكيله حكومة، ليس فقط لا يتمتع فيها بالأكثرية، وإنما تضم حتى وزراء يدينون بالولاء للنظام السوري ويعارضون المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال رفيق الحريري، وتحديدا وزير العدل بالذات.
وطبعا، تسير الحكومة (والتسوية) كالبطة العرجاء، إذ لم تتمكن حتى الآن من التصدي لأي ملف حيوي بالنسبة للبنانيين، ولا الأهم الاتفاق على قانون انتخابي جديد.
بعد اثنتي عشرة سنة على حصول الجريمة التي حصدت في 14 شباط 2005 واحدا وعشرين شخصا إلى جانب الحريري، وثماني سنوات على انطلاق عمل المحكمة الدولية الخاصة بالجريمة في 2009، وست سنوات على توجيه القرار الاتهامي في 2011 لأربعة عناصر من «حزب الله» في التورط في الجريمة، دخلت المحكمة المرحلة الثالثة التي تعتبر الأخيرة والنهائية تمهيدا لاصدار الحكم قريبا. وكان المدعي العام قد أعلن، في يناير 2014، عن ثلاث مراحل للقضية التي سيعرضها أمام قضاة غرفة الدرجة الأولى في المحكمة. وتقوم المرحلة الأولى على تقديم الأدلة المتعلقة بالتحضيرات لتنفيذ الجريمة، والمرحلة الثانية بكيفية تنفيذ الجريمة، والثالثة والأخيرة بتحديد وتثبيت هوية المتهمين والدور الذي قام به كل واحد منهم. وهذه المراحل تسبق مرحلة التداول بين قضاة الغرفة تمهيداً للنطق بالحكم.
أما المتهمون الأربعة الذين شملهم القرار الاتهامي فهم سليم عيّاش، ومصطفى بدر الدين، الذي تربطه صلة قربى بعماد مغنية، والذي أعلن عن اغتياله مثل مغنية في ظروف غامضة في سوريا (13 مايو 2016)، وحسن عنيسي، وأسد صبرا، ثم أضيف إليهم عنصر خامس في سبتمبر 2014، هو حبيب مرعي. وبعض هؤلاء يتنقل حرا في ضاحية بيروت الجنوبية ويدلي بأحاديث صحفية. وطبعا، يرفض «حزب الله» تسليم المتهمين، ويتعاطى مع المحكمة على أنّها مشبوهة ومن صنع أميركي وإسرائيلي.
فإذا صدر الحكم على هؤلاء المتهمين، بحسب المعطيات والأدلة والاعترافات التي في حوزة المحكمة، فإن «حزب الله» لن يسلمهم، وسيشن هجومه على المحكمة وسيجند كل ما يملك من أدوات ضدها. ولكن، ماذا سيكون عليه موقف رئيس الجمهورية تجاه قرار اتخذه لبنان بالطلب إلى مجلس الأمن إنشاء المحكمة، وتغطية نصف تكاليف عملها (50 مليون دولار سنويا) والالتزام بقراراتها في كشف منفذي جريمة اغتيال أحد أهم الزعماء السياسيين اللبنانيين؟ وماذا ستفعل الحكومة التي يجلس فيها وزراء حزب «القوات اللبنانية» و«تيار المستقبل» جنبا إلى جنب مع وزراء «حزب الله» الصادر بحق مجموعة من عناصره أحكام بجريمة قتل سياسية؟ ولا شك ان حيثيات الحكم ستطال الدافع والمحرض الموجود خارج الحدود. والسؤال الأهم، كيف يمكن للحريري عندها أن يبقى على رأس حكومة تضم حزبا متورطا بقتل والده؟
يوم تشكيل حكومة تمام سلام في فبراير 2014، رد الحريري من لاهاي حيث كان يدلي بشهادته أمام المحكمة الدولية الخاصة بالجريمة على من كان يأخذ عليه استعداده للمشاركة في الحكومة قائلا إنها «عملية ربط نزاع» إلى حين جلاء الحقيقة وصدور الأحكام. فهل بإمكانه يوم صدور الحكم أن يضبط ردة فعل الشارع السني تجاه الشيعة، وبالأخص في بعض أحياء بيروت حيث هناك تداخل أو تماس بين الجماعتين؟

بقلم : سعد كيوان
copy short url   نسخ
07/03/2017
4348