+ A
A -
كنت أقلب أوراقي القديمـة فوجدت مقالات كثيـرة نشرتها قبل أكثر من عشــرين ســنة. وكالعادة ضحكت باكيا أو بكيت ضاحكا لا فرق، فالأفكار التي تضمنتها تلك المقـالات ما زالت حيـة. الأفـكار الكبرى لا تـتغير بمرور السـنين (الحق والخيـر والجمـال) لكن المقالات تحكمها الظروف الآنية وتكون الأحداث باعثـة على كتابتهـا.
من هذه المقـالات القديمـة مجموعـة مقالات عنوان كل منها كلمـة واحدة، وكنت أخطط يومهـا لجمعهــا في كتـاب، وكتبت نحو عشــر مقالات ثم توقـفـت، وأهملت المشــروع كله، وألغيتهـا. كان من العناوين «الأرقام.. الفرح.. الغضب.. الحصـار.. الجـوع.. الخـوف.. الأحلام.. الحزن..القهـر» وهكذا. ســأقـتـطف اليـوم من مقـالـة «الخوف» بعض الأســطر، ويحزنني جدا أن مـا قـلتـه «مُرمّزا» ما زال يخـيفـني، فكأن الزمن لم يتغير منذ 26/8/1989.
« لا أدخل أي دائرة رســميـة دون أن أشــعر بالخوف.. أطالب بحقي وأنا خائف.. أقوم بواجبي والخوف يملؤني.. إذا رأيت خلفي في الشـارع سـيارة شـرطة بأبواقها وأنوارها المميزة، أخاف أن أكون المطلوب»..
« أسـافر خائفـا وأعود خائفـا.. لا يطمئن قلبي حتى تـقـلع الطائرة، أو حتى أخرج من المطـار حين العودة.. لم يعد الخـوف عادة أو مظهرا سـلوكيا، صار إدمانا، أيعقل أن يدمن أحد الخوف؟ دخل في تـكويني الجسـدي، صار من مكونات دمائي.. تموت خلايا جسـدي المملوءة خوفا، فتولد خلايا جديدة بنيتها الخوف.. هل أنا إنسـان خائف؟ أم أنا الخوف تجسـد إنسـانا؟ إذا قالوا: اطمئن، شعرت بالخوف أكثر، وقلت: الله يستر»
«أودع يومي بالخـوف، فلســت أضمن شــيـئا حتى في نومي، وأخـاف من الغـد الآتي أكثر.. ماضيَّ مُـترع بالخـوف، وأخاف المســتـقـبـل.. أخـاف أن أســأل، وأخاف – إذا سُـئلت – أن أجيب.. أخاف أن أتكلم، وأخاف أن أصمت».
«أرضعـتـني أمي الخوف.. أخاف أبي، وعمي، وأخي الأكبر. أخاف المعلم والشــرطي في الشــارع، وعفاريت الظلام.. أخاف الفـقـر وما تأتي به الأيام.. أريد أن أبوح للورق بخوفي، ولكني لم أعد واثقا حتى بالورق.. عشت حياتي أسير «الحيط الحيط «ولكن الحائط صار مخيفا.. أخاف هذا الخوف الذي يلازمني، وأخاف أن يكتشف الآخرون خوفي».

بقلم : نزار عابدين
copy short url   نسخ
27/02/2017
4065