+ A
A -
ودع الشعب المغربي في الأسبوع الماضي أحد أعمدة الحركة الوطنية والديمقراطية، الأستاذ المجاهد محمد بوستة، الأمين العام السابق لحزب الاستقلال، بعد حياة مليئة بالعطاء والالتزام، راكم خلالها صورا متعددة لرجل الدولة وللمناضل الصلب، للدبلوماسي الأنيق وللسياسي الذي لا يخشى في الصدح بالحق لومة لائم، للخطيب المراكشي اللاذع وللحكيم الذي تقاس كلماته النفيسة بميزان الذهب.
رحيل الفقيد محمد بوستة، هو كذلك من الناحية الرمزية نهاية لمرحلة تاريخية ظلت مطبوعة بالحضور السياسي الوازن لرجالات الحركة الوطنية، الذين فرضت الأقدار وقوانين الطبيعة - منذ قرابة العقدين- خروجهم التدريجي من المشهد العام.
حضور ظل يتجاوز حدود استمرار الوجوه والأشخاص، ليصل إلى عمق الأثر البين في الثقافة السياسية، وفي نمط من ردود الفعل المتقاربة التي تخترق عائلات سياسية مختلفة، والتي نجحت في تسييد تمثل معين للمؤسسات ونظرة خاصة للقضايا الوطنية لمحطات التاريخ الراهن والقريب.
الحركة الوطنية، هنا، ليست مجرد امتدادات تنظيمية أسهمت في معركة الاستقلال، بل هي بالمعنى الواسع الذي يجعلها «خميرة» السياسة المغربية الحديثة، ومرجعية من القيم والمثل المستلهمة من مصادر فكرية سلفية وتنويرية أعادت هيكلة المخيال المغربي الشعبي حول تعريف جديد الهوية هو الانتماء «الوطني»، وتيار ثقافي ومجتمعي مديني مؤمن بالتقدم، ملتف حول المؤسسات، حامل لنفس تحديثي وإصلاحي، مرتبط بفكرة التوافق.
هذه الحركة الوطنية، هي التي شكلت واحدا من المصادر الكبرى للايدولوجيا المغربية المعاصرة، والتي ظلت لوقت طويل تؤثر في تمثلات وسلوكات وقيم النخب والمجتمع، رغم الحديث المتكرر- منذ الستينات-عن موت الحركة الوطنية، ورغم فورة الايدولوجيا اليسارية منذ السبعينيات، ورغم محاولة الدولة بناء مرجعية قيمية جديدة بنفس إداري/ سلطوي يحمل تصورها للتراتبية المجتمعية.
في إحدى دراسات الراحل عابد الجابري، حول المغرب المعاصر، كان قد خلص إلى أن الانتقال من الحقل السياسي التقليدي إلى الحقل السياسي الحديث، حيث السيادة للمؤسسات وحكم القانون، يرتبط بالاختفاء التدريجي لأجيال الحركة الوطنية، لان ذلك سيعني نهاية مجموعة من تقاليد التفاعل السياسي بين المجتمع والدولة، التي يطغى عليها بعد الشخصنة والتقليدانية، والتي ظل تاريخ الانتماء المشترك للحركة الوطنية يغذي اللجوء إليها.
لكن الواقع أن هذا الانتقال لا يزال بعيد المنال، في المقابل فإن اختفاء ثقافة الحركة الوطنية، لم يترك المجال سوى لممارسة سياسية متخبطة بلا معالم ومرجعيات، ولخطابات شعبوية بلا أفق.
أما على المستوى الإيديولوجي، ومع الوفاة المعلنة للمشروع الفكري اليساري، وانحصار المشروع الإسلامي في خانة الدفاع عن الهوية، فإن غياب قيم الحركة الوطنية المحرضة على مغامرة التقدم انطلاقا من قراءة تنويرية للدين، يعني أننا نعيش كذلك أزمة أيديولوجيا، من حيث هي أزمة في رسم معالم مستقبل أفضل للمجموعة الوطنية.

بقلم : حسن طارق
copy short url   نسخ
24/02/2017
8415