+ A
A -
الملامح الأولى لرؤية الرئيس الأميركي ترامب للتحالف الغربي، ممثلا في حلف الناتو (الأطلنطي)، وللعلاقة مع روسيا، هل تعبر عن بداية تغيير فعلي في الرؤية الأميركية، لمختلف المشاكل والقضايا الدولية والإقليمية؟.
في أوروبا وغيرها، لا تزال أصداء تصريحات ترامب، تتردد بقوة، فهو الذي قال إن حلف الأطلنطي قد عفا عليه الزمن. وأنه يعاني منذ سنوات طويلة من المشاكل، كما أنه لم يعالج مشكلة الإرهاب. وقال عن روسيا إنها يمكن أن تكون شريكا مع أميركا في مكافحة الإرهاب في العالم، ولا تنفصل هذه الأقوال عن تكرار تصريحات ترامب عن الإرهاب، والتي تشير إلى أنه يضعها على قمة أولويات سياسته الخارجية.
فمن بعد نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945، أنشئ حلف الأطلنطي عام 1947، ليكون تحالفا لدول الغرب على جانبي الأطلنطي في مواجهة الاتحاد السوفياتي، الذي اعتبر الخطر الأكبر الذي وجد الحلف لمواجهته.
وظل هذا المفهوم قائما ومرتبطا بأداء السياسات الخارجية للدول الغربية، بزعامة الولايات المتحدة، وبترتيبات علاقاتها الدولية والثنائية، وانتشار قواعدها العسكرية، ونشاط أجهزة مخابراتها. وكان ذلك كله يدور في حلقة واحدة تجمع دول الحلف معا، إلى أن انتهت الحرب الباردة، وزوال الاتحاد السوفياتي عام 1991.
عندئذ سعى الحلف لكي تكون له مهام تبقي على وجوده. وحرصت على ذلك جميع دوله بما فيها الولايات المتحدة. لكن هذه الأدوار لأعضاء الحلف قد ابتعدت حركتها عن خط المواجهة في الغرب، والذي لم يعد له وجود، ومارس الحلف أدوارا في دول بعيدة عن ساحته الطبيعية، ومنها على سبيل المثال، ضرباته الجوية في ليبيا عام 2011، لإسقاط حكم القذافي، والذي اتفقت المؤسسات السياسية والاستراتيجية المستقلة في الغرب، على أن هذا الدور ساعد على إسقاط الدولة في أجواء الفوضى، وانتشار منظمات الإرهاب. وهو ما يلفت النظر إلى قول ترامب إن الحلف لم يعالج مشكلة الإرهاب.
وخلال السنوات الثلاث الأخيرة، تغيرت نظرة بعض دول الحلف إلى مصدر الخطر، الذي تمثل في الإرهاب، بعد أن تمددت عمليات الإرهاب من منطقة الشرق الأوسط البعيدة، إلى داخل دول الغرب ذاتها. من ثم اختلف مفهوم خط المواجهة عن الشكل الذي كان، حين تأسس حلف الأطلنطي.
يرتبط بذلك تغييرات أخرى، في نظرة دول أوروبا للتحالف الذي يجمعها، فقد ترددت على ألسنة مسؤولين أوروبيين، وفي أوراق دراسات استراتيجية، الشكوك حول استمرار أميركا في التمسك بالتزاماتها تجاه حلفائها في الغرب، بعد التطور في الاستراتيجية الأميركية، والتحول ناحية آسيا حسب التعبير المتداول أميركيا، عن محورية أو حيوية آسيا PIVOT ASIA، والذي عبر عنه أوباما، موضحا أن آسيا صارت مركز الجاذبية للاستراتيجيات الدولية، وما كانت هيلارى كلينتون قد صرحت به وهي وزيرة للخارجية، من أن هذه المنطقة في آسيا، ستكون قاطرة السياسات العالمية في السنوات القادمة.
وارتبطت بأولوية قضية الإرهاب لدى ترامب، مؤشرات التغيير في نظرته لروسيا، وإشادته بشخصية بوتن، وما قاله عن أن روسيا يمكن أن تكون شريكا مع أميركا في مواجهة الإرهاب في العالم، والتوقف عن النظر إلى روسيا كعدو.
وبالطبع فإن إعادة صياغة السياسة الخارجية، سوف تمر بمرحلة مراجعة وتقييم، خاصة أن ترامب يطرح من وقت لآخر، أفكارا تبدو متعارضة، ولكنها من زاوية تفكيره كرئيس، هي عملية موازنة بين الشيء ونقيضه. مثل قوله إنه سيعرض على موسكو، رفع العقوبات التي فرضتها إدارة أوباما، مقابل اتفاق للحد من الأسلحة النووية. وأيضا ما قاله وزير دفاعه جيمس ماتيس، في جلسة استماع بمجلس الشيوخ، من أن حلف الأطلنطي مازال حيويا للولايات المتحدة. وهو تصور لا يتطابق مع ما قاله ترامب عن الحلف.
إن المائة يوم الأولى من حكم الرئيس الجديد، تبقى عادة فترة مراجعة، ليس فقط للسياسات المتبعة، بل أيضا للتغييرات في الموقف الدولي، وللتحديات التي تواجهها، ما هو موجود بالفعل، وما هو محتمل. وفي هذه الفترة تشارك ترامب مجموعات عمل، تقدم له رؤيتها وتحليلها، وكذلك المعلومات السرية التي لم تكن متاحة له قبل دخوله البيت البيض. وكل ذلك لابد وأن يتدخل في صياغة الرؤية المتكاملة لسياسة أميركا الخارجية عام 2017.
عندئذ تكون إدارة ترامب قد تخلصت مما يكتنفها حتى الآن من انعدام الحسم في توجهاتها السياسية بشكل مؤكد وقاطع.. ليس فقط تجاه الحلفاء، وروسيا، بل أيضا تجاه منطقة الشرق الأوسط، التي للولايات المتحدة فيها علاقات معقدة وعميقة، ومصالح لا يمكن أن تتجاهلها وأن تقلل من أهميتها.

بقلم : عاطف الغمري
copy short url   نسخ
24/02/2017
4433