+ A
A -
مدخل:
وأودّ أن أحيا بفكرةٍ شاعرٍ
وأرى الوجود يضيق عن أحلامي
بعد أن انقطعت عن لقائكم في هذه الزاوية المحببة إلى نفسي فترة من الزمن بسبب الانشغال بارتباطات أخرى، أجد أن في اليوم مصادفة جميلة تليق بالعودة إلى مصافحتكم. فاليوم يصادف الذكرى الثامنة بعد المائة لميلاد الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي، وهو الشاعر الذي لم تتجاوز حياته الخمسة وعشرين ربيعاً.
والمتأمل في حياة شاعرنا الشابي سيكتشف أن سيرته تدور داخل مربع وجداني وعاطفي أضلاعه الحياة والمرض والحب والوطن. فتجد تعبيره مزدحما بالحياة بتفاصيلها الطبيعية والوجدانية وليس بغريبٍ إذن أن تكون أشهر قصيدة كتبها تحمل عنوان «إرادة الحياة». أمّا المرض فهو صديقه الوفي الذي رافقه منذ طفولته حتى أجهز عليه وهو في أول أيام الشباب، فكأنه عندما ودّع الصبا ودّع معه الحياة. وعندما يأتي الحب، فهو المحب الذي لم ينل من محبوبته إلا الفقد بعد أن سبقه الموت إليها، وهي التي كتب فيها عذب القصائد ومرهف الغزليات. أمّا الوطن فهو الملهم الأغنى للشابي، فتجد قصائده الوطنية الأكثر انتشاراً على ألسن العرب، مقارنةً مع كل الشعراء وكل القصائد. عاش الشاعر بعد وفاته حياةً أكثر صخباً واحتفاءً وحتى أكثر تأثيرا. فكان حاضراً في نشيد تونس الوطني بالبيتين الشهيرين:
اذا الشعب يوماً أراد الحياة
فلابد أن يستجيب القدر
ولابد لليل أن ينجلي
ولابد للقيد أن ينكسر
وليس الشابي إلاّ المثل الأوضح والمشهد الأفصح، على أن الشاعر الذي يخلص للشعر في حياته، يخلص له الشعر في حياته وبعد مماته، فهو الذي قدّم للشعر بعض وقته، فقدّم له الشعر الخلود. وهو الذي لم يغنِّ النشيد الوطني التونسي ولكنه يعيش داخله ويتردد في ألسن الشعب التونسي صباح مساء، وفي كل مناسبة، من مباريات كرة القدم إلى الثورة التونسية! فقد كان الرجل الوحيد الذي تواجد في كل هذه الأحداث والمناسبات رغم إرادته وبدون إذنه ومن غير علمه!
مخرج:
رحم الله الشابيّ، الشاب الذي لم يشب أبداً.
بقلم : صلاح العرجاني
copy short url   نسخ
24/02/2017
5806