+ A
A -
لعل الروايتين الوحيدتين اللتين لم تفقدا تأثيرهما ومجاراتهما للأحداث حتى هذه اللحظة هما 1984 ومزرعة الحيوانات، والاثنتان لكاتب واحد «جورج أوريل» وكلتا الروايتين تعرضتا للحظر والمنع، بل إن المقدمة التي كتبها «أوريل» لروايته الثانية وتذمر فيها من تعسف الرقابة التي تكره نشر الحقائق تم حذفها، وما صدمني حقا هو أن شاعرا وناقدا كبيرا مثل «ت س إليوت» وكان وقتها مديراً لدار نشر، أعاد الرواية إلى مؤلفها واقترح بكل صفاقة ألا يجعل الخنازير شيوعيين وأشرارا وإنما «خنازير ذوي حس بالرأي العام» وطبعا رفض الكاتب أن يملى عليه ما يكتب، لقد كان مؤمنا بحرية الكاتب ومسؤوليته عما يكتب بقدر إيمانه بالعدالة الاجتماعية، ويقول «أوريل» إنه استوحى هذه الرواية من «طفل صغير دون العاشرة يقود عربة يجرها حصان في طريق ضيق متعرج، وكان ينهال على الحصان بالسوط كلما احتاجت العربة للالتفاف، وقد صدمني أنه لو وعت الحيوانات مقدار قوتها فلن يكون لنا سلطان عليها، وأن الإنسان يستغل الحيوانات كما يستغل الأغنياء الفقراء»، وهذا ما دفعه إلى أن يبدأ روايته الشهيرة بخطبة طويلة يلقيها الخنزير الحكيم «ميجور» على المضطهدين من دجاج وأبقار وخيول وكلاب وخنازير وطيور يقول فيها: «إن الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يستهلك دون أن ينتج، فهو لا يعطي الحليب، ولا يضع البيض، وهو واهن إلى درجة أنه لا يستطيع دفع عربة، وبطيء بحيث لا يستطيع أن يمسك بأرنب، ومع ذلك فهو سيد كل الحيوانات، فهو يوزع الأعمال بينها، لكنه لا يمنحها بالمقابل إلا قوتا يوميا هزيلا يساعدها على البقاء حية، ثم يحتفظ لنفسه بالباقي، من يحرث الأرض؟ نحن! من يخصبها؟ نحن؟ كل آلام حياتنا سببها الإنسان. لنقم بثورة! وفي نهاية الخطبة دعاهم إلى حفظ النشيد الوطني الخاص بهم والذي يبدأ وينتهي بهذه الكلمات: «حيوانات إنجلترا وأيرلندا، حيوانات كل البلدان.. اصغوا إلى الأمل، لقد وعدتم بعصر ذهبي! وبعدها بثلاثة أيام مات «ميجور» لكن كلماته وجدت طريقها إلى قلوب الحيوانات التي عانت من سيدها اللئيم القاسي القلب والسكير «جونز» وخلال الثلاثة أشهر التي تلت ذلك، تولى عملية التنظيم والتخطيط ووضع الأسس النوع الأكثر ذكاءا وهو «الخنازير» التي حظيت بقدر لا بأس به من التعليم على عكس الحيوانات الأخرى، وتولى الزعامة خنزيران، يدعى أحدهما «سنوبول» والآخر «نابليون» وهما ذكران يافعان كان سيدهما يربيهما بقصد الربح، كان نابليون ضخما ومهيبا وقليل الكلام، ومعروف عنه أنه يعرف ماذا يريد، أما «سنوبول» فهو أكثر حيوية، بعقل دقيق وخلاق، ومشهور بسوء أخلاقه، وفي المرتبة الثانية بعد الاثنين كان الخنزير «سكويلر» ومهمته نقل التعليمات والحرص على تنفيذها «وفيما بعد تحول إلى بوق إعلامي مهمته التغطية على الفظائع التي يرتكبها الرئيس وتبريرها»، وذات ليلة بعد عمل طويل شاق نَسي عمال المزرعة إطعام الحيوانات المنهكة، فلم تستطع الأبقار التي جادت بحليبها في الصباح الصبر على الجوع، وقامت بتحطيم باب المستودع بهياج، وكانت تلك الإشارة للجميع الذين بدؤوا بتكسير صناديق القمامة، وأسرع المالك برفقة عماله الأربعة وهم يحملون السياط لتأديب المزعجين، لكن الحيوانات تكاتفت جميعا وطردتهم خارج أسوار المزرعة. وطيلة دقائق وقفوا مبهوتين، لا يصدقون أن الثورة قد حدثت، وأنها نجحت.. وأنهم أخيرا أخيرا نالوا حريتهم.

بقلم : وداد الكواري
copy short url   نسخ
21/02/2017
1283