+ A
A -
يستسهل الكثير من الذين خرجوا من سوريا باكرا، بعد بداية الثورة السورية، الحديث على وسائل التواصل الاجتماعي والميديا عموما، عن الثورة واستمرارها في سوريا، ويرفضون تسمية ما يحدث بالحرب، ويخونون كل من يسميها كذلك، بل الأكثر من هذا، أنهم يخونون كل المعارضين الذين بقوا في سوريا يكملون حياتهم ويعيشونها، رغم أنهم يعيشون وسط أسوأ الظروف إنسانية، بينما يعيش منتقدوهم في الأماكن التي اختاروها لحياتهم وحياة أولادهم وهم يتمتعون أولا بالأمان وثانيا بكل ظروف الحياة الآدمية الطبيعية، يتعامل هؤلاء أيضا مع سوريي الداخل من منطق غريب وتقسيمي تابع للموقف الأول، فكل من يعيش في مناطق النظام هو مؤيد له حتما وكل من يعيش في المناطق الأخرى هو مؤيد للثورة، مع أن الأمر لا يمكن أن يكون بحال من الأحوال بمثل هذا التطرف والتحديد، إذ ثمة بين سكان مناطق النظام معارضون له لكنهم يدركون أن معارضتهم العلنية ستعني، حتى هذه اللحظة، إما الاعتقال وإما الخروج من سوريا، كما أن موجات التهجير الداخلية التي حدثت خلال السنوات الماضية أخذت الحالة الداخلية السورية إلى مكان آخر تماما، حيث لجأ الكثير إلى الأماكن المسماة حاضنة للنظام كالساحل السوري مثلا، هؤلاء جاؤوا من المناطق الثائرة التي تم تدميرها وتهجير أهلها، فضل هؤلاء، لأسباب عديدة، البقاء في سوريا على الخروج منها إلى أي مكان آخر، من هذه الأسباب أن بعضهم كان مؤيدا للنظام ومناهضا للثورة، وبعضهم مؤيدا للثورة لكنه فضل البقاء في مكان داخل سوريا، وهذا يرجعنا إلى الرؤية الثابتة للمنظرين في الخارج حول السوريين الذين بقوا في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام بوصفهم جميعا معارضين للنظام، ومستمرين بالثورة، حتى الذين يعيشون مضطرين تحت حكم الدواعش أو تحت حكم الكتائب الجهادية الأخرى، والتي تفتك بهم كما كان يفعل النظام تماما، يتناسى هؤلاء كل السنين التي مرت، وكل ما حدث بها، عدا عن أنهم في زعمهم هذا يعطون شرعية لداعش وأشباهها، بأنها جزء من الثورة التي يتحدثون عنها طالما احتلت مناطق كانت تحت سيطرة النظام، مع أن الوضع أيضا هناك ليس هكذا أبدا، إذ يعرف سكان تلك المناطق الذين خرجوا من سوريا أن أهلهم وأقاربهم يعيشون هناك بما يشبه الجحيم.
وأن فكرة الثورة نفسها لم تعد موجودة لديهم، ما يريدونه هو أن تعود حياتهم لطبيعتها لا أن يعيشوا في مجاهل التاريخ يحكمهم غرباء ما، باسم شريعة الإسلام التي لا تشبه الشريعة التي عاشوا عليها طيلة حياتهم بشيء، غرباء استقدموا عائلاتهم واحتلوا بيوت السوريين الذين اضطرهم العنف للجوء إلى أماكن أخرى، هذه الرؤية التنظيرية والمتطرفة التي يمارسها الكثير من المعارضين في الخارج السوري للوضع في سوريا، سوف تكون وبالا يوما على السوريين إذا ما تم الوصول إلى أي اتفاق نهائي وشامل ويحمل بين طياته بعض العدالة للمظلومين، إذ ستساهم هذه الرؤية في زيادة مساحة الحالة الانقسامية الواسعة أصلا بين السوريين، سواء مناطقيا أو مذهبيا أو طائفيا أو طبقيا، سيكون الانقسام بين سوريي الداخل والخارج هو الأكثر حدة ووضوحا.
بقلم : رشا عمران
copy short url   نسخ
21/02/2017
4086