+ A
A -
لم أشم رائحة الغاز المسيل للدموع وأتعرض لآثاره منذ أيام ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 في مصر إلا في ميدان «ريببليك» الجمهورية في باريس يوم السبت الماضي حينما قامت الشرطة بفض تظاهرات- دفعني فضولي الصحفي لحضورها- دعت إليها النقابات العمالية والمنظمات الحقوقية الفرنسية ضد العنصرية وعنف الشرطة الفرنسية، حيث أصبح ميدان «ريببليك» الجمهورية هو التظاهرات الكبرى في باريس لاسيما في أيام نهاية الأسبوع السبت والأحد، فمن الصباح الباكر أغلقت الشرطة الميدان الذي يطل على عشر شوارع تقريبا من كل الاتجاهات وبدأت في تفتيش من يدخلون إلى الميدان الذي يشابه ميدان التحرير في مصر من حيث المساحة والأنشطة، ورغم أن ميدان «ريببليك» كان مجرد أحد الميادين الكبرى في باريس إلا أنه تحول بعد ثورات الربيع العربي إلى ميدان التظاهرات الرئيسي كل سبت وأحد.
تظاهرة السبت الماضي في ميدان ريببليك كانت حول موضوع يخص الفرنسيين وهو العنف والعنصرية التي تمارسها الشرطة الفرنسية ضد سكان الضواحي، ذلك الملف الذي أصبح مثل القنبلة الموقوتة ولا يمر شهر دون أن يتفجر بشكل أو بآخر من خلال حادث أو ممارسة عنصرية للشرطة، آخر تلك الحوادث كان انتشار فيديو يظهر فيه أربعة من رجال الشرطة وهم يستخدمون العنف ضد شاب أسود في ضاحية أولناي سوبوا، واستخدموا عصا الشرطة في الاعتداء عليه جنسيا، منذ تلك الحادثة التي وقعت قبل حوالي أسبوعين لم تهدأ أحداث العنف في الضواحي والمناوشات الليلية بين الشرطة والمتظاهرين حيث يتم حرق السيارات والاعتداء على الممتلكات ورغم الإعلان عن تحويل رجال الشرطة الأربعة الذين قاموا بالاعتداء على الشاب الأسود إلى القضاء إلا أن الأمر يتفاعل يوما بعد يوم مذكرا بأحداث الضواحي التي وقعت في باريس في العام 2005 والتي أحرقت فيها عشرة آلاف سيارة وأحرق 300 مبنى وأعلنت فيها حالة الطوارئ في البلاد ولم يتم علاج أسبابها إلى الآن، مما يجعل انفجار الأوضاع في الضواحي متوقعا في أي لحظة ويجعل أي حادث عرضي من هذه الحوادث سببا لتنفجر في كثير من العشوائيات التي تحيط بباريس، ومما يصعب مهام الشرطة في الضواحي كما يقول أحد الضباط في نقابة الشرطة «أن الشرطة الفرنسية غير مدربة أو مجهزة على الولوج في الضواحي أو التعامل مع العشوائيات الموجودة حول باريس».
التظاهرة التي خرجت في باريس يوم السبت الماضي دعت لها نقابات عمالية وجمعيات حقوقية لكن ما لفت نظري أن أعداد الشرطة التي أغلقت الميدان ومنعت الدخول إليه بعد الساعة الرابعة كانت ربما أكبر من أعداد المتظاهرين وأطلقت عليهم القنابل المسيلة للدموع رغم أنها لو انتظرت قليلا لانفضوا مثلما تنفض التظاهرات دون وقوع مناوشات لكن الشرطة كانت متوترة للغاية لأن التظاهرة كانت ضدها وضد ممارساتها وعنصريتها ولم تأت لتأمينها كما تفعل دائما، لكن انتهاء التظاهرة لا يعني أن غضب الضواحي قد انتهى بل إنه قنبلة ينتظر انفجارها على نطاق واسع في أي وقت.

بقلم : أحمد منصور
copy short url   نسخ
20/02/2017
46726