+ A
A -
- 1 -
ما يحدث بدولة جنوب السودان أكبر من أن يوصف بالمأساة أو الكارثة.
حرب طاحنة لا تبقي ولا تذر، آلاف القتلى والمعاقين، وأكثر من مليوني نازح، والمجتمع الدولي لا يملك سوى التهديد والوعيد مع العجز عن الفعل. في أكثر من جلسة بمجلس الأمن دار النقاش بين الدول الأعضاء حول ما يحدث بدولة جنوب السودان، ولم ينتهِ المجلس إلى قرارات ولم تتوقف الحرب.
وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري أرسل قبل مغادرته الوزارة كثيراً من رسائل التهديد على بريد الرئيس سلفاكير ميارديت وخصمه اللدود رياك مشار ولم تحرك تلك التهديدات المواقف ولم تهدئ نير الحرب.
- 2 -
كل ما استطاع المجتمع الدولي فعله معاقبة ثلاثة قيادات من حكومة سلفاكير ومثلهم من مجموعة مشار!
وقبل فترة انطلقت مطالب دولية خجولة بنقل ملف حرب جنوب السودان إلى محكمة الجنايات الدولية بلاهاي ولكنها لم تمضِ بعيداً!
الحرب تجاوزت الصراع على المقاعد إلى صراع قبلي من أجل الوجود والقضاء على الآخر، فكانت جرائم الحرب ومشاريع الإبادة.
صراع شرس تذكيه طموحات السياسيين وأطماع جنرالات الحرب وأساطير البسطاء وعجز المجتمع الدولي.–
- 3 -
بعد كل الموت والدمار والخراب الذي أصاب الدولة الجديدة جراء ذلك الصراع العبثي، لم يستطع الرئيس سلفاكير أن يتخلص من خصمه، ابن القبيلة الثانية في دولة الجنوب، ولا استطاع مشار أن يزيح سلفاكير من مقعده!
سلفاكير ميارديت ظل طوال فترة حكمه بعد الانفصال عن دولة السودان في صراع درامي مع شخصيتين؛ واحدة من الماضي والأخرى في المستقبل!
- 4 -
الشخصية الأولى من الماضي، هي شخصية الراحل جون قرنق مؤسس الحركة التي قادت الحرب ضد الدولة المركزية ووصلت للحكم بعد انفصال الجنوب، وتلك الشخصية ظلت تمثل هاجساً لسلفا كير بالمقارنات رغم غيابها عن المشهد السياسي في الدولة الوليدة.

والأخرى في المستقبل؛ وهي شخصية نائبه دكتور رياك مشار خريج كلية الهندسة بجامعة الخرطوم وابن قبيلة النوير وهو سياسي ذو مقدرات إدارية وتنظيمية متميزة مع مكر تكتيكي لا يخفى عن أعين المراقبين والمنافسين، مكر يحاول ستره بابتسامة دائمة لا تتأثر بتقلبات الطقس السياسي!
- 5 -
لرياك مشار طموح جارف في أن يصبح وريث سلفاكير في رئاسة الدولة الجديدة أو بديله في حال حسم المواجهة العسكرية لصالحه!
وإذا كان بالإمكان القول أن سلفا كير استطاع– لحد ما- التخلص من شبح جون قرنق إلا أنه وجد نفسه في مواجهة حتمية مع مشار الذي ظل ينافسه وهو متدرع بالمؤهلات الذاتية وبالأساطير والخرافات.
- 6 -
المجتمع الدولي الذي دعم بقوة خيار انفصال جنوب السودان عجز عن منع الحرب، وفشل في الحفاظ على اتفاق السلام قصير الأجل.
أسوأ ما في العمل المسلح، التضحية بالمواطنين البسطاء، من أجل تحقيق طموحات القادة المغامرين.
تحت الضغوطات الدولية والتهديدات بعصا العقوبات، خضع الرجلان لاتفاق سلام، أعاد الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل اشتعال الحرب، دون تنظيف الجراح وتضميدها لذا عادت الحرب مرة أخرى.
- 7 -
هكذا هم القادة في هذه المنطقة من العالم، يُعظمون مقاعد السلطة ويسترخصون في سبيل ذلك دماء أتباعهم، الذين تُزهق أرواحهم على بعد أمتار ولو كان بينهم الأبناء والأقارب!
أجواء عدم الثقة وتربُّص كل طرف بالآخر، هي التي أعادت إشعال الحريق، ما لم يتدخل المجتمع الدولي بصورة حاسمة ستصبح حرب دولة جنوب السودان الأكثر دموية في إفريقيا.

بقلم : ضياء الدين بلال
copy short url   نسخ
19/02/2017
4986