+ A
A -
نستنشقه، رغم أنفنا، ولا ندري أنه قد يذهب بنا إلى حتفنا!
الهواء، لا مفر منه لرئاتنا، لكن الهواء هواءان: نظيف وملوث، والأخير
تسبب في العام قبل الماضي في وفاة ثلاثة ملايين وسبعمائة ألف، في مناطق متفرقة من العالم، وفقا لإحصاءات صحية أممية.
الهواء الملوث أخطر من الإيدز، ومن كورونا بالطبع.. وأخطر من الملاريا، وغير ذلك من الأمراض التي تفتك بالبشرية.
الصحة العالمية، أطلقت في بيان تحذيرا انقبضت له رئتاى: الوضع مأساوي جدا.. المشكلة تتفاقم في 1600 مدينة بمائة وإحدى وتسعين دولة، بسبب إنفاض مستوى الهواء النظيف مرتين ونصف من المستويات السليمة!
وأمس الأول توعدت المفوضية الأوروبية خمسة بلدان بينها فرنسا وألمانيا وبريطانيا بالاحتكام إلى محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي في حال لم يتم اتخاذ تدابير لحماية نوعية الهواء.
وأنا أقرا في التقرير، تحسست أنفاسي، وحين تيقنت أنها تطلع وتنزل، حمدتُ رب الناس الذي بيده كل أنفاس الخلائق.
التقرير لم يتحدث عن المدن الملوثة، وأغفل ربما بسبب غياب الإحصاءات- عدد ضحايا الهواء الملوث، في العام الماضي، وهو عدد في ازدياد، بازدياد، التلوث في الدول متوسطة ومنخفضة الدخل.
لماذا يصبح الفقراء، في كل مكان، ضحايا حتى الهواء الذي يتنفسونه؟
حيث كان الفقر، كان التلوث: دخان عوادم السيارات التعبانة، والمصانع التعبانة، والركشات والموتورات، يغطي السماء، بغمامة من ثاني أكسيد الكربون، وحيث ثاني أكسيد الكربون، كان التعب في الرئتين، وفي القصبة الهوائية، والحنجرة، وكانت السرطانات، والسكتات القلبية، والدماغية.. وكان الموت، وارتفاع معدلاته، وكانت الغفلة من الحكومات.. والغفلة آفة مثل تلوث الهواء، وتلوث المياه، والإيدز، والطاعون الذي عاد يطعن طعنا في البطون الفقيرة.. مثل أنثى الأنفوليس التي تمص الدم مصا، وحين تتوارى بطنطنتها، تترك الحمى القاتلة، تبيت وتصحو، في الأجساد المنهكة، الهزيلة!
ماريا تيرا، مديرة الصحة العامة، في الصحة العالمية، أتخيلها حين أطلقت التحذير الذي يمسك بالأنفاس، طفرت منها دمعتان، وهي تتخيل أنفاس الناس، في المدن التي يعطب هواؤها الرئتين.
كانت تتحدث في جنيف، والهواء يغني.. يصفق نسمة نسمة، وكل نسمة ترقص باليه.. والرقص يُعدي، لكن ماريا كانت دامعة العينين، وهي تتخيل مصير الناس في المدن التي يرسم فيها ثاني أكسيد الكربون، بأياديه الملوثة، أبشع صورة للنهايات البشعة!
يا حكام الدول التي يتلوث هواؤها، رفقا بالبشر..
رفقا بإنسانه في جنيف، لم تعد ترقص والهواء في رقصة باليه، برغم أن الرقص يعدي، كما الابتسام!

بقلم : هاشم كرار
copy short url   نسخ
17/02/2017
955