+ A
A -
دار حوار فلسفي بين حكيم ورجل محب للمعرفة عن الجنة والنار في الحياة الدنيا وليس الآخرة، فقام الأول باصطحاب الثاني إلى غرفة واسعة فيها مجموعة من الناس يجلسون حول قدر ضخم تفوح منه روائح طيبة، وبيد كل منهم ملعقة بطول ذراعه مغموسة في القدر، كلما حاول أحدهم أن يرفعها ويقربها من فمه سال الطعام على ثيابه، وثياب الآخرين، وفشل في أن يتناول لقمة واحدة تسد الرمق، وكان يبدو على الجميع البؤس والجوعّ وقلة الحيلة! ثم أشار الحكيم على رفيقه بالخروج، واتجه الاثنان إلى غرفة أخرى، وكانت مثل الأولى تماما، وفيها مجموعة من الناس يحيطون بقدر كبير، ويمسكون بملاعق طويلة يغرفون بها الطعام، بيد أن حالهم كان أفضل من حال قاطني الغرفة السابقة، إذ كانوا أصحاء وسعداء، وهنا سأل الصديق صاحبه متعجبا: «لا أفهم؟ لماذا يبدو هؤلاء سعداء والآخرون تعساء على الرغم من تشابه الظروف والصورة؟ فرد الصديق: «الأمر بسيط.. لقد تعلم هؤلاء كيف يطعمون بعضهم البعض، تعلموا أن يعطوا قبل أن يفكروا في الأخذ!!
وعلى الرغم من أن العطاء أعظم، كما قال أديب روسيا العظيم «تولستوي» إلا أن الأخذ أيضا فن من فنون الحياة.. فنحن عندما نقبل شيئا يقدمه لنا الآخرون، إنما نجعلهم يشعرون بقدرهم وقيمتهم في الحياة، إننا نرفعهم بأيدينا لنضعهم في صفوفنا مهما كانوا صغارا.. إن فن الأخذ يغير من أبشع صورة في الدنيا.. صورة السادة الذين يعُطون ويُعطون، لأنهم تعودوا على الإحسان إلى الفقير، ويحولها إلى أجمل وأغنى صورة.. يحولها إلى الصداقة التي تقوم على التكافؤ.. لقد كانت أجمل هدية تلقاها تولستوي في حياته كما ذكر «دجاجة» سمينة قدمها له صديقه الفلاح الفقير الحال، والذي كان يعمل في أرض والده، وقام الاثنان بطهيها ثم تناولاها معا في وجبة العشاء.. وكانت ألذ وجبة تناولها في حياته كما قال.. أما أثمن هدية تلقاها العالم الألماني «روبرت كوخ» حين بلغ الثامنة والعشرين من عمره فقد كانت من زوجته، إذ أهدته ميكرسكوب، سرعان ما شغف به، ونبذ فكر الترحال حول العالم وتفرغ لدراسة الميكروبات التي أهلته لاكتشاف دواء أكثر من مرض قاتل آنذاك، وأجمل الهدايا تلك التي لم تكن في الحسبان، والتي لم نكن نتوقعها، قد تكون شيئا ملموسا وبسيطا أو كلمة طيبة تخرج من القلب.. وأعجب من أناس ما أن يتلقون هدية حتى يطرحوا هذا السؤال: «ترى كم تساوي؟ إنها تساوي الكثير حتى لو لم تكن غالية الثمن، تساوي الوقت الذي فكر فيه مقدم الهدية فيك والوقت الذي قضاه في التنقل قبل أن يختارها لك.. لقد تلقيت الكثير من الهدايا في حياتي لعل أجملها تلك الرسالة الطويلة التي بعثها لي ابني عبر الهاتف وقال في نهايتها: أحبك يا أمي.. ترى كم تساوي هذه الهدية لدى من يقيمون الهدايا؟

بقلم : وداد الكواري
copy short url   نسخ
15/02/2017
1933