+ A
A -
من العوامل المساعدة على نجاح التطرف اليميني الآن، بالإضافة الى ارتفاع وتوقد الروح القومية والوطنية في أوروبا وأميركا والتي فصلناها الأسبوع الماضي، هو عامل الهجرة العالمية.
لو تم ترك موضوع الهجرة دون تنظيم فعال فيمكن أن يتدفق ما يقارب المليار إنسان من الدول الفقيرة ومن مناطق الحروب والنزاعات على دول الغرب وبخاصة في أميركا واوروبا.
هذه ارقام خطيرة ويعلم المواطنون الغربيون مدى خطورتها.
ومن ثم فإن الحجج الاقتصادية التي طالما كنا نرددها كاقتصاديين تصبح غير مقبولة. فلا يمكن القول الآن أن المهاجرين يشكلون قوة اقتصادية خالصة للبلاد التي يتوافدون عليها وأن الأوروبيين بالذات في حاجة إلى مثل هذه الهجرة بسبب شيخوخة المجتمعات لديهم. ذلك لأن مثل هذه الهجرة وعلى هذا النطاق الواسع والضخم تمثل حدثا اقتصاديا عالميا غير مسبوق وله بالضرورة عواقب اجتماعية وتوزيعية بعيدة المدى على البلدان المستقبلة للعمالة المهاجرة. الطبقة العاملة والأقل تعليما في الدول الغربية لن تكون بالتأكيد أفضل حالا في ظل هذه الهجرة المفتوحة وغير المنظمة. على سبيل المثال دعنا نأخذ قطاع الخدمات والتجارة الجزئية الذي عادة ما يتقاضى أجورا غير عالية في الدول الغربية. ومن ثم مع الهجرة يدخل سوق العمل مئات الآلاف من العمال المهاجرين وتنخفض الأجور وتنخفض التكلفة في هذه القطاعات. نعم تزيد الكفاءة وتنخفض الأسعار للمستهلكين ولكن يمكن للهجرة هنا أن تجعل أي شخص يعمل في هذا القطاع ينجذب للخطاب الشعبوى وينضم لليمين المتطرف لأنه سيحاول التمسك بوضعه الاقتصادي قبل الهجرة وسيشعر بأن المنافع من الهجرة والتي تمثلت في انخفاض التكلفة والاسعار لا تفيد الا المستهلكين أما هو كعامل بهذا القطاع لم ير الا انخفاض أجره أو تحوله لصفوف العاطلين ومن ثم تحمل هو وزملاؤه في الطبقة العاملة تكاليف الهجرة كاملة. ومن ثم تتوقع من هؤلاء العمال أن يقاوموا بل يحاربوا هذه الهجرة بكل الطرق وكل الوسائل.
وأيضا يظهر على السطح في موضوع الهجرة موضوع التناقض بين المصلحة الخاصة والمصلحة العامة.
يقال إن هناك «11» مليونا من العمال المكسيكيين غير الشرعيين في الولايات المتحدة. كيف تم هذا؟ لأن هناك أصحاب أعمال يجدون من مصلحتهم توظيف هؤلاء المهاجرين بأجور منخفضة (مصلحة خاصة) ولا يبالون بالعواقب السيئة التي تكون في شكل انخفاض الأجور أو تحول عمال محليين لصفوف العاطلين ومن ثم انخفاض حصيلة الضرائب (مصلحة عامة).
العامل الأخير الذي ادى الى نجاح اليمين المتطرف هو فشل السياسة الخارجية الأميركية. كانت أميركا ومنذ الحرب العالمية الثانية، تتصرف كقائدة للعالم والتي تحافظ على التوازن والاستقرار والسلم العالمي من خلال ادوات السياسة العالمية من مواثيق وتحالفات ومعاهدات ومنظمات الامم المتحدة المتعددة. ولكن في الفترة الماضية فشلت السياسة الخارجية للولايات المتحدة في تحقيق أهدافها. أدت تصرفات الإدارات الأميركية المتعاقبة الى كوارث عالمية. في أحيان كثيرة استخدمت أميركا القوة الفارطة محل الدبلوماسية. استعملت الحلول العسكرية بدلا من ممارسة المفاوضات. وأدت أخطاء اميركا الى إنتاج حالة من التمرد والمقاومة التي وصلت الى حد التطرف والإرهاب. فمن حرب افغانستان الى غزو العراق وما خلفه من دمار سياسي واقتصادي الى العزوف عن اتخاذ القرارات الحاسمة في الحالة السورية أصبحت هناك حالة من الفراغ العالمي الذي جعل موضوع القومية والانكفاء على الداخل من الجاذبية بمكان في جميع انحاء العالم المتقدم منها والنامي.

بقلم :د. حسن يوسف علي
copy short url   نسخ
15/02/2017
4484