+ A
A -
بعد أقل من 24 ساعة من تنصيب ترامب رئيسا لأميركا، أطلقت اسرائيل حملة استيطانية شرهة في القدس والضفة مقدمة لبناء 11 ألف وحدة في أحياء استيطانية شرق القدس. وفي الوقت نفسه صادق الكنيست على قانون شرعنة ما تسميه اسرائيل البؤر الاستيطانية غير الشرعية، علما ان كل المستوطنات اليهودية المقامة على الأراضي المحتلة عام 1967 تعتبر في نظر القانون الدولي غير شرعية وغير قانونية. ويعني تمرير هذا القانون من وجهة نظر شريحة واسعة من الإسرائيليين، إن المناطق المحتلة هي ارض توراتية، وتعود ملكيتها لليهود فقط، ولا منازع لهم على ملكيتها.
وتاليا، فرض السيطرة والسيادة اليهودية الكاملة عليها، وبذلك تكون إسرائيل قد تخلت عن تعريف الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، مناطق فلسطينية محتلة، ينطبق عليها القانون الدولي، كما يعني تخليها أيضا عن الإقرار بأن هذه الأراضي متنازعٌ عليها، ورفضها تحديد مكانتها ومستقبلها سيتحدّد في المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية مستقبلا.
وقد شاءت حكومة نتانياهو المصنفة حكومة استيطان اختيار هذا الظرف للشروع في طور جديد من أطوار اللصوصية والقرصنة الرسميتين، بالإفادة من مستجدات عدة فلسطينيا وعربيا ودوليا، والأهم وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ونزوعه إلى الإرضاء التام للتوسعية الصهيونية، من أجل ضمان وقوف اللوبي اليهودي الأميركي معه في مجمل سياساته الداخلية والخارجية، ومن أجل شق صفوف المعترضين داخل الحزبين، الديمقراطي والجمهوري.
وجاءت عمليات التهويد والضم للأراضي الفلسطينية في وقتٍ تتجه الأنظار إلى مسألة النقل المحتمل للسفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. وبينما أبدى الساكن الجديد في البيت الأبيض تريثا في هذه المسألة، بطلب من العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، فإن الخشية الآن أن يعمد ترامب إلى «مقايضة» يتم بموجبها غض النظر الأميركي عن الاستيلاء الإسرائيلي على أراضي الدولة الفلسطينية، في مقابل تجميد قرار نقل السفارة وتسويق فكرة أن الإدارة الجديدة تتفهم ردود الفعل الفلسطينية والعربية على هذا المشروع الخطير.
بيد أن هذه «المقايضة» في حال حصولها ستؤدي إلى النتيجة نفسها التي ستنجم عن نقل السفارة، وهي دفن التسوية السلمية نهائيا وسقوط نظرية قيام الدولتين، وتكريس قيام الدولة اليهودية الواحدة على ارض فلسطين بنظام فصل عنصري وعاصمتها القدس.
وتكتمل عناصر هذه «المقايضة» وتنضج نتيجتها وتصير واقعية في ظل انشغال العالم العربي بالحرائق الملتهبة في سوريا والعراق وليبيا واليمن، وانفلاش مخاطر «داعش» والتغول الإيراني، واضطرابات سوق النفط، مع مغازلة إسرائيلية دائمة للعالم العربي بالاستعداد للتعاون، ومزيد من التعاون في مجال مكافحة الإرهاب. بينما يشكل الانقسام الفلسطيني السياسي والجغرافي وتراجع مكانة القضية الفلسطينية رسميا وشعبيا مناخا من الإحباط الداخلي وهدايا مجانية لعزيمة المحتلين، لاستكمال مشروعهم الأم بقضم كل فلسطين من النهر إلى البحر. وهكذا ما فائدة دعوة مجلس الأمن إلى «التحرك الفوري وفق القرار 2334 لوضع حد لسياسة الحكومة الإسرائيلية المتطرفة التي تعمل على تدمير حل الدولتين»، ومن الذي يتحرّك وسط هذه الظروف الدولية المأزومة ومع هذا الواقع العربي الكارثي؟
الأرجح ان خلف هذا الضباب الكثيف الذي يلف اقليمنا يجري وضع اللمسات الاخيرة للفصل الأخير من المسرحية التراجيدية لابتلاع القدس ودفن القضية، التي طالما كانت يتيمة العالم ولطيمة معظم الأنظمة العربية، التي لم يكن لديها يوماً للقدس ولفلسطين شيء غير الخطب الفارغة والأناشيد الهابطة والوعود الكاذبة؟
بقلم : أمين قمورية
copy short url   نسخ
15/02/2017
4373