+ A
A -
منذ وعينا على الدنيا ونحن نسمع أن دور «الآباء» يقتصر على العمل وتوفير احتياجات الأسرة، حتى بعد أن أصبحت المرأة الزوجة والأم تعمل مثله تماما، وتساهم في المصروفات مثله وربما أكثر منه، الأم هي الأم، هي قلب الأسرة. ومظلتها وحارس بنائها وسعادتها.. الأم هي الأسرة كلها.. إن غابت لأي سبب تفككت الأسرة مهما تظاهر أفرادها بالتماسك، أعرف سيدة لم تكن سعيدة مع زوجها، كان- وهذه حقيقة يعرفها كل المحيطين بها- رجلا لا يطاق، وحين جاءتها الفرصة للدراسة في الخارج ونيل الماجستير والدكتوراه لم تتردد، تركت أطفالها الخمسة مع الأب الغائب والخدم، كان أصغرهم في الثانية من عمره، مارست الأمومة على فترات متفرقة ومن خلال زيارتهم لها في الإجازات، ومرت ست سنوات عادت بعدها وهي «دكتورة» ينتظرها المنصب الكبير وأطفال كبروا في غيابها وكل ما تمثله لهم الأم أو ما حققته لهم السفر للخارج أكثر من مرة في العام، عادت وهي تخطط لقضاء وقت أطول مع أطفالها، وأن تعوضهم عن غيابها، وأن تكون لهم الام والأب معا، لكن القدر كان يخطط شيئا آخر، بعد عودتها بأسابيع وهي تستعد لإقامة حفل كبير بمناسبة بلوغ طفلها الثامنة من عمره كتعويض عن الأعياد التي لم تكن فيها موجودة دهسته سيارة ومات في الحال، إن أقسى الدموع التي تنسال على المقابر تكون ندما على كلمات لم تقل وأفعال لم تنجز كما قالت مؤلفة كوخ العم توم «هنرييت بيتشر ستو» ينبغي أن نعير من يهمنا أمرهم اهتماما أكبر ومشاعر أعمق في كل لحظة وإلا فقد نكمل مسيرة حياتنا غافلين أن كل لحظة قد تكون الأخيرة في حياتهم أو حياتنا، إن الحسد والخوف والغضب وخيبة الآمال أمور طبيعية تلحق بكل إنسان، ولكن لا ينبغي أن يدفع «أطفالنا» أغلى ما نملك ثمن طموحنا وانشغالنا ولهاثنا وراء المنصب أو المال أو الاثنين معا.. ولعل أغرب القصص التي سمعتها هي قصة الأم الشابة التي تنازلت عن حضانة طفلها الوحيد في الباطن مقابل أحد عشر ألف ريال شهريا، وهددت الأب والجدة والجد من حرمانهم من الابن والحفيد للأبد في حال وصل الأمر للقضاء مرة أخرى.. وتفرغت هي لتعيش حياتها كما صرحت.. تسافر كما تشاء، وتشتري كل ما تشتهيه.. وتصادق من تشاء.. وحين يكبر الولد سيعود إليها حتما، فهي أمه في نهاية الأمر. ويا لها من كلمات معبرة تلك التي خطتها أم لم تمارس أمومتها كما يجب: «لو كان بإمكاني تنشئة طفلي من جديد، لساعدته على الرسم بإصبعه أكثر، وقللت من تهديدي إياه بإصبعي، لو كان بإمكاني تنشئة طفلي من جديد، لقللت من تصويب أعماله وزدت تواصلي معه. لرفعت عيني عن ساعتي أو هاتفي الجوال وراقبته بعيني وقلبي، لاهتممت بمعرفة أمور أقل، وعلمت أن عليَّ الاهتمام به أكثر، لقمت معه بمزيد من النزهات، وتوقفت عن لعب دور الأم الجادة ولعبت معه بجدية، لركضت معه في في الحقول وحدقت في المزيد من النجوم، لاحتضنته أكثر وضربته أقل، لكنت أقل حزما وأكثر مساندة، لبنيت تقديره لذاته أولا ثم بنيت المنزل في وقت لاحق، لعلمته القليل عن حب القوة.. والمزيد عن قوة الحب.

بقلم : وداد الكواري
copy short url   نسخ
14/02/2017
2288