+ A
A -
كيف لهذا الذي وصفه تقرير «منظمة العفو الدولية»، المعروفة برصانتها وموضوعيتها، بـ «سلاخ البشر» ان يجلس، هو أو من يمثله، على طاولة مفاوضات في جنيف أو في استانا أو في أي مكان آخر. كيف له ان يجد من يكلمه، أو يصغي إليه، أو من يقيم له اعتبارا؟ كيف يحق لأي رئيس أو مسؤول في العالم مهما علا شأنه ان يتعامى عن جرائمه أو ان يتسامح مع هذا الجزار الذي أمر بإعدام 13000 شخص عن سابق تصور وتصميم؟ فمن كان صاحب بنية صغيرة من المساجين المعلقين على حبل المشنقة، و«لا يساعده» وزنه في الاندفاع نزولا إلى الجحيم، كان الجلادون أو «العدّامون» يشدّونه إلى الأسفل ويدقون عنقه.
كيف لهؤلاء السوريين ان يكون لهم رأي أو أن يفكروا، كيف لهم ان يطالبوا بحقهم في العمل والحياة الكريمة؟ أما التوق إلى الحرية فهو جريمة الجرائم! يجب ان يموتوا، يجب ان تخطف أنفاسهم، ويجب بالتالي «مساعدتهم» على «إعدام» أنفسهم!
فقد أشار تقرير المنظمة إلى أنّ الضحايا يظلون معصوبي الأعين، ولا يتمّ إخبارهم بمصيرهم «رأفة بهم»، فلا يدركون ان نهايتهم قد حانت الا «عندما يلتفّ حبل المشنقة حول عنقهم».
كيف لبعض المسؤولين الأوروبيين المغرر بهم، والذين يرفعون شعار الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان في بلدانهم، ويتشدقون بالدفاع عن حقوق الأقليات العرقية والدينية والسياسية في العالم وو... كيف لهم ان يأتوا إلى دمشق ليصافحوا «نيرون العصر» الذي يجبر معذبوه السجناء على اغتصاب بعضهم البعض، فيما يأتي حرّاس السجن بالطعام ويلقونه على أرض الزنزانة المغطاة بدماء رفاقهم. ألم يكن من زاره من السياسيين والمراسلين الغربيين والعرب - وهم كثر مؤخرا - يسمع وهو في حضرته أنين التعذيب وحشرجة من «تخلع رقابهم» خلال عمليات الشنق، كما روى أحد السجناء الناجين عن حالات سمع خلالها «أصوات سجناء وهم يموتون اختناقاً»؟!.
ولكن مع الأسف، ان كل ما جاء في تقرير «منظمة العفو» على أهميته وخطورته وفظاعته ليس الا غيضا من فيض. ففيه رواية عما جرى خلال فترة تقل عن خمس سنوات فقط من عمر انتفاضة السوريين. أما كيف السبيل إلى الاحاطة بكل ما ارتكبه نظام «حزب البعث» من فظائع طيلة نصف قرن تقريبا، منذ ان قام بأول انقلاب على السلطة عام 1963، تبعه انقلاب الضابط حافظ الأسد على قيادة حزبه في نهاية 1970 كي يستتب له الأمر على مدى ثلاثين سنة لغاية 2000. وأهم محطاتها كانت حملة الإبادة التي شنها عام 1982 ضد «الإخوان المسلمين» ودك مدينة حماة على رؤوس اهلها بالمدفعية وقصفها بالطيران. وكانت الحصيلة ما يقارب 20 ألف ضحية، لم ير أحد صورا لهم، ولم يسمع أحد رواياتهم، فلم نكن في زمن الانترنت و«الفايس بوك» و«تويتر» ولا حتى التليفزيونات والأقمار الصناعية.
وهذا سجن صيدنايا حيث يقيم النظام «مسلخته البشرية»، وهذا سجن تدمر، وغيرهما من السجون تشهد على فظائع «البعث» وعلى بشاعات الأسد الأب والابن. لا بل ان الابن قد تفوق على أبيه، فليس أصدق وأبلغ تعبيرا عن سخرية البطش من تلك النكتة التي رافقت صدور التقرير عن قيام الأسد بجولة على سجن صيدنايا، فوجد رجلا مسنا فسأله عن مدة محكوميته فأجابه بانه مسجون منذ زمن حكم والده، عندها طلب بشار من السجانين ان يبقوه في زنزانته لأن فيه ذكرى من والده. ناهيك عن كل ضحايا القتل بالبراميل المتفجرة وبالسلاح الكيماوي وبالغازات السامة الذين تجاوزوا مئات الآلاف!
معدّة التقرير نيكوليت وولدمان قالت لـ «الغارديان» البريطانية: «انّ ما كشفناه هو أبعد من أي شيء رأيناه». ونحن بدورنا نقول انه يجب وضع «سلاخ دمشق» في محجر صحي حماية لما تبقى من الشعب السوري!
بقلم: سعد كيوان
copy short url   نسخ
14/02/2017
4300