+ A
A -
فى عهد المملكة المصرية كانت كل مؤسسات الدولة رغم الاحتلال البريطاني تعتمد على العراقة والكفاءة والشخصيات المميزة، وكانت مصر ولادة في كل شيء في الفكر والفن والادب والثقافة والمعرفة والصحافة والسينما والقانون والعمل الدبلوماسي والسياسي، كان هناك محامون تزدحم قاعات المحاكم بهم حتى يسمع الناس مرافعاتهم التي كانت مقطوعات من الادب والحكمة والقانون والمعرفة والحجة، وكان هناك أساتذة جامعات يدرسون الأدب يأتي إلى محاضراتهم طلاب الطب والهندسة والعلوم وغيرها، وهكذا في كل مجالات الحياة وكان السر في التعليم الذي يصنع النهضة في الامم، فالنهضة حينما تكون في أي أمة تكون في كل جوانب الحياة والسقوط يكون كذلك والسر في الاستثمار في الإنسان من خلال التعليم، فهناك أنظمة تستثمر في الإنسان فتبنيه وأنظمة تدمر الإنسان وتقتل الإنسانية فيه، ولا يوجد نظام عسكري من الانظمة التي جاءت عبر الانقلابات العسكرية والدعم الاستخباراتي الغربي أو الشرقي نجحت على الاطلاق في بناء أمة أو النهضة بشعب، كلها أنظمة قمعية مستبدة مدمرة للبنيان والإنسان، وهذا ما حدث في مصر على يد العسكر بعد انقلابهم الذي قاموا به في العام 1952، حيث دمروا بنية الدولة في كل جوانبها ونجحوا خلال عشر سنوات في أن يهدموا التعليم وهو سر النهضة في الامم وأن يحولوا المعلم عبر الاقلام والمسلسلات والافلام على مدى ثلاثة عقود إلى مصدر للسخرية والاستهزاء، ولم يكن هناك فارق زمني طويل بين ما قاله أمير شعراء مصر المحدثين أحمد شوقي في بيته المشهور:
قف للمعلم وفه التبجيلا... كاد المعلم أن يكون رسولا
وبين ما قام به عبد الناصر من تدمير لمنظومة التعليم، حتى أن مناهج المرحلة الابتدائية في عهد المملكة المصرية كانت توازي مراحل التدريس في الجامعات الآن أو تتفوق عليها، أذكر أني في طفولتي كنت أستعير الكتب من بعض أصحاب المكتبات القديمة ووقع بين يدي كتاب القراءة للصف الرابع الابتدائي في الشعر والادب أذهلني ما فيه، فقد درست بعد ذلك في الجامعة بعض القصائد التي كانت فيه، وأنا لازلت أذكر حواري مع رئيسة فلندا السابقة تاريا هالونين في العام 2006 حينما سألتها عن سر نهضة بلادها فقالت «نحن نستثمر في الإنسان الفنلندي» أما عن الرسالة التي توجهها للحكومات العربية فقالت كلمة واحدة وكررتها ثلاثا «التعليم ثم التعليم ثم التعليم» نفس الامر حدث في حواراتي المتكررة مع محاضر محمد رئيس وزراء ماليزيا الاسبق التعليم كان سر النجاح وكذلك قال لي كوان مؤسس سنغافورة الحديثة «أنا لم أقم بمعجزة في سنغافورة، أنا فقط قمت بواجبي نحو وطني، فخصصت موارد الدولة للتعليم وغيرت مكانة المعلمين من طبقة بائسة إلى أرقى الطبقات في سنغافورة، فالمعلم هو من صنع المعجزة»، وهذا ما قام به أردوغان في تركيا خلال عقد واحد من الزمان.. إذن السر في المعلم والتعليم حينما نرتقي بوضع المعلم والتعليم سنصبح أرقى أمم الدنيا وكل ما سوى ذلك كلام في الفراغ.

بقلم : أحمد منصور
copy short url   نسخ
14/02/2017
46418