+ A
A -
التضخم ينتج عن زيادة المعروض النقدي على الاصول المادية الانتاجية باختصار. الربيع العربي المعاش اثبت ان الاصول لها اشكال متعددة وليس فقط المتعارف عليها من آلات ومعدات واراض وغيرها بمعنى انها لا تقتصر على الفهم الاقتصادي التقليدي بل هناك اصول اخرى سياسية واجتماعية لها كذلك فائضها التضخمي.
الظاهرة «القذافية» كانت محددة في ذلك، تذكرون عندما تكلم الرئيس القذافي عن حقه واسرته في حكم ليبيا إلى الابد مدعيا انه الاصل الذي لا غنى عنه وبان من يطالب بانتهاء حكمه هو في طور التضخم السياسي المرضي، ذكر بانه تسلم ليبيا وعددها لا يتجاوز المليون واليوم هم خمسة ملايين وربط هذه الزيادة بالتأكيد عليه وعلى وجوده كأصل ثابت منتج بالضبط كما في المفهوم الاقتصادي.
الحقيقة ان معظم الانظمة السياسية العربية تعتبر نفسها اصولا ثابتة تاريخية تحت دعاوى كثيرة دينية واجتماعية، وان الشعوب بحكم الزيادة التي يمكن التعامل معها بحسب الظروف التي تخدمها «الانظمة» كأصل، فالتعامل مع الشعوب من هذا المنظور كالتعامل مع ظاهرة التضخم كظاهرة اقتصادية سواء تم ذلك عبر السياسة النقدية أو المالية أو الاجتماعية وفي حالات متطورة يمكن اللجوء لاسباب اخرى بوليسية للتحكم فيها.
المهم أن تبقى تحت السيطرة، مفهوم الزيادة وليس الاصل أو الحق هو المفهوم المسيطر لدى هذه الحكومات. التغيرات الاقتصادية العالمية في انعكاسها على هذه الأوضاع لا تأتي بنفس النتيجة التي من أجلها اتجهت أو قامت هذه المفاهيم وانما تبني تراكما على أساس مغلوط أساسا فمثلا، دولة الحد الأدنى مصطلح نيو ليبرالى، بمعنى عدم تدخل الدولة في شؤون المجتمع إلا في اضيق الحالات، «دولة الحارس الليلي» هذا الاصطلاح له شكلان: أحدهما خاص بالدول الرأسمالية التي لم تحبذ تغلغل الدول في اوصالها لتكفل للمجتمع ولرأس المال حرية التحرك والانتقال والمبادرة في تسيير الاقتصاد، وهو ماعُرف لاحقا بتغول رأس المال وتحكمه وسيطرته على جوانب المجتمع الاجتماعية الاخرى.
وشكل آخر في دول الاقطاع الاجتماعي الذي كما أشرت يجعل من الشعوب فائضا اجتماعيا يمكن التحكم فيه حسب الحاجة التي يتطلبها بقاء النظام القائم كأصل اجتماعي لا يطاله التغيير، فتدخلت بالتالي الدولة «النظام» في إدارة الشعب وفي «إصلاحه» بمعزل أو بمنأى عن النظام ذاته بمعنى إدارة المعروض الاجتماعي دون الوصول إلى الاصل المتحكم، هذا المنطق كشفت عنة ثورات الربيع العربي بجلاء في ليبيا ومصر واليمن وسوريا، لابد من معالجة الشعب ومطالبه كظاهرة تضخمية واقتصار الحلول في الحد الادنى الذي لا يغير من بنية النظام لأنه أصل ولأن الشعوب فائض تضخمي لا أكثر.. فأصبحت دولة الحد الادنى هي دولة النظام القائم فقط، في حين أنها هناك في الغرب حيث ظهر المفهوم، دولة الحد الادنى للطرفين حيث الانتخابات القادمة والبرلمان الجديد والحزب الفائز، ثمة توازن واضح لا يفصله سوى مدة زمنية قصيرة بعكس ما قد يظهره تطبيق المفهوم في العالم العربي، تهميش للشعب وتأبيد للنظام. فالعلاج ليس بانتقاء المفاهيم وانما بكسر حلقة ترويجها في ظل عدم الاصلاح الأولي والمتمثل في إصلاح النظام السياسي العربي.

بقلم : عبدالعزيز الخاطر
copy short url   نسخ
09/02/2017
3440