+ A
A -
قبل يومين، مرت على صديقي الكاتب، رئيس تحرير صحيفة «السوداني» في الخرطوم: ضياء الدين بلال الذكرى الثانية لوفاة والدته – الحاجة عرفة، طيب الله قبرها، وذكراها.
صديقي ضياء، هاتفني. كان في صوته عبرة. تخيلت دموعه. والدموع على أي أم، لا تكف عن التساقط، متى ما كانت الذكرى.. وذكرى الأم- أي أم- لا تغيب، لا عن الخاطر، ولا العقل، ولا الخيال، ولا الوجدان.
الرحمة، لكل الأمهات، أولئك اللائي فوق التراب أو تحته، وهن في الحالتين في أجمل مكان في قلوبنا، إلى أن نصير من فوق التراب إلى التراب.
عفوا. أستسمح القراء في إعادة نشر هذه الزاوية، لعل في الإعادة، مسحة لدموع صديقي ضياء.. دموعه التي تسيل الآن.

ما أبأس الفم الذي لم يعد ينادي يا.. يأمي!
تخيلته فم صديقي الصحفي- ضياء الدين بلال- تتوارى فيه الابتسامة إلا قليلا، وتذبلُ فيه– إلا قليلا- ضحكته تلك الشهيرة المتميزة، وأمه عرفة ترفرف بجناحي الروح، بعيدا إلى الأعالي، بين أذان الجمعة والعصر.
إن الإنسان، لفي خُسر، حين يفقد أمه، أيضا.
العثراتُ في هذه الدنيا كثيرة، ولا أستثني منها عثرات لصديقي ضياء- رغم أنه يحسب خطواته بميزان عقله وضميره، لكن من أين لضياء «اسم الله عليك يا ابني»، حين يتعثر.. تقولها أمه عرفة، بلسانها ذلك الرطب الرحيم بذكر الله، في هذه الدنيا.
لا أبكيه أكثر. سأجمله أكثر بالصبر الجميل: دعاء الأم- أي أم- لا ينقطع يا صديقي. من البرزخ ينقرُ بلطف باب الرحمن، فتأتينا دعواتها، تظللنا في هجير الدنيا، مثل غيمة.. وتبلل أرواحنا الظمأى، فيا.. يا لمشرب دعوات الأمهات الذي مذاقه كافورا.. ويا لهن، والجنة تحت أقدامهن المباركات.
التراب- ذلك الذي خلقنا منه الرب الخلاق وإليه يعيدنا- لا يحجبُ منا الأمهات.. ولا يحجبُ منا جُملة الحبايب.. وفي ظني – بل في يقيني- أننا لسنا بمحجوبين عنهم.. ولئن كانت في جماجمنا هذه الذاكرة التي تختزن ملامحهم ورائحتهم وأقوالهم وابتسامتهم وضحكاتهم وطريقة مشيتهم، فإنهم يكلموننا.. أو ليسوا هُم- الأموات- يردون علينا السلام، متى ما سلمنا على دار قوم صامتين؟
السلام عليك يا أمي فاطنة، ويا أمي عرفة، ويا كل أم، تدعو لنا، من دار القوم الآمنين، غير أن اذاننا من فرط كل هذا الصخب الحياتي، صماء، حتى إذا ما مشينا إليهم، وكُشف عنا الغطاءُ، كانت مثل أبصارنا، حديدا!
السلام عليكن، يا جُملة الأمهات في هذه الدار، وفي تلك..
ويا أيها الأبناء، الذين خرجوا- وتلك بدهية- من رحم كل أم رحيم، لنجعل من كل يوم، يوما للأم، نقبلُ رأسها.. ورجليها، نقولُ لها» أحبك» وجناح الذل من الامتنان منا إليها، خفيض.
تلك أجمل هدية للأم- أي أم- في هذه الدنيا.
في عيد الأم- العام الفائت- طعنت أوباما غصة، وطيف أمه يرفرفُ عليه.. أزاح الغصة، وابتسم يقول لابنتيه وهما معا- واحدة بعد الأخرى- تطبعان قبلتين على جبين ميشيل: «ماليا وناتاشا، لكم أنتما محظوظتان.. حقا»!
صدق أوباما..
قبلة على جبين الأم، ترطبُ الفم، وتطيّبه.
ما أصدقه، أوباما..
كل من له أم، وهو يطبع على جبينها قبلة في هذه الدنيا، محظوظ.
الأم رحمة..
وحين ترحلُ الأم، ترحلُ بعض الرحمة، بيد أن هذا البعض الذي ارتحل، لا يلبث أن يأتينا من البرزخ، ودعوة الأم تشب من تحت التراب «اسم الله عليك يا ابني» متى ما تعثرنا، وطريق الدنيا إلى البرزخ- هذا القصير- كله عثرات.. وعثرات، ومزالق!
بقلم : هاشم كرار
copy short url   نسخ
09/02/2017
1278