+ A
A -
بقيت البنوك السويسرية على مدار عشرات السنين ملجأ للأموال المسروقة والمهربة والمنهوبة من الشعوب، وكان جشع مدراء البنوك والنظام المصرفي السويسري للحصول على الأموال وتحقيق عائدات ضخمة ورواتب خرافية سببا في مقاومة هؤلاء لكل الضغوط والقوانين التي سعت الحكومة السويسرية لفرضها بعد الفضائح التي نالت النظام المصرفي السويسري في أعقاب الثورات العربية بشكل خاص حينما اتضح أن كل الطغاة العرب وحاشياتهم كانوا يتخذون من البنوك السويسرية خزائن للأموال التي نهبوها من شعوبهم وبغض النظر عن الرقم المعلن عن الأموال الليبية المودعة في البنوك السويسرية فإن حجم ما تم نهبه من ليبيا يزيد على 220 مليار دولار وقد حدثني أحد المسؤولين الليبيين بعد الثورة أن إحدى الدول الأوروبية ورفض أن يسميها اعترفت بأن حجم الأموال الليبية في مصارفها يزيد على 50 مليار دولار وأنها مستعدة لردها ولكن لحكومة مستقرة، ويقدر الخبراء حجم الأموال التي تستحوذ عليها البنوك السويسرية من الايداعات العالمية بأنها تشكل حوالي 30% من إيداعات البنوك وأن النظام المصرفي السويسري ساعد كثيرا من هؤلاء الذين كانوا يودعون هذه الأموال على أن يضعوها بأسماء مستعارة أو حتى بأرقام لا يعلمها إلا صاحب الحساب نفسه وقد مات مئات من كبار اللصوص أو حتى الأغنياء الذين أودعوا المليارات في البنوك السويسرية دون أن يعرف أحد ما أودعوه آلت كل هذه الأموال للبنوك فأصبحت البنوك السويسرية تضم ما يزيد على 2.2 تريليون فرنك سويسري من الايداعات.
وحيث أن سويسرا تتعرض لضغوط من منظمات عالمية بعد اكتشاف فضائح مصرفية كبيرة فقد أقرت الحكومة السويسرية مؤخرا قانونا للتدقيق في الودائع المالية غير المشروعة، وأذكر أني قد التقيت في العام 2002 في جنيف مع عالم الاجتماع والقانون السويسري الشهير المثير للجدل جان زيغلر وأجريت معه حوارا في برنامجي التليفزيوني بلاحدود وتحدث معي عن الجرائم التي ترتكبها البنوك السويسرية التي كانت مفتوحة لأموال اللصوص والطغاة والفاسدين من كل أنحاء العالم وكان قد نشر كتابا أثار ضجة واسعة في سويسرا والعالم في ذلك الوقت اسمه (سويسرا تغسل أكثر بياضا) وتعرض لمحاكمات وفصل من عضويته بالبرلمان السويسري حيث كان يثير قضايا ومشاغبات مثيرة وروى لي الرجل في عدة جلسات من النقاش عن حجم الفساد في النظام المالي السويسري، لكن الحكومة السويسرية الآن تريد أن تتطهر من إرثها المالي القذر بعدما اكتسبت بنوكها على مدار عشرات السنين سمعة أنها أكثر مكان لغسيل الأموال القذرة في العالم. لكن بنوك سويسرا لن تتطهر فالأموال القذرة تمثل قدرا لا بأس به من موجوداتها أما الحكومة السويسرية فإنها لن تتطهر حتى تجبر هذه البنوك على إعادة الأموال التي نهبت للشعوب التي تملكها وإلا فإن القانون الجديد يظل حبرا على ورق وتأكيدا أن سويسرا وبنوكها ستظل تغسل أكثر بياضا.

بقلم : أحمد منصور
copy short url   نسخ
09/02/2017
60101