+ A
A -
تراوحت وعود الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ما بين تعهده بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، في خطبه أثناء حملته الانتخابية، وبين استبعاد المتحدث باسم البيت الأبيض، نقل السفارة في «وقت قريب»، أو في الوقت الحالي.
والمعروف أن عملية نقل السفارة سبق أن وعد بها رؤساء سابقون أثناء ترشحهم، ثم عدلوا عن وعودهم، بعد دخولهم البيت الأبيض، ومنهم بيل كلينتون، وبوش الابن.
لكن انتقال هذه الوعود من دائرة التصريحات النظرية، إلى أرض الواقع، تقف أمامه حقائق قانونية وسياسية، تهدم من الأساس الدور الذي حملته أميركا لنفسها، وتمسكت به، وهو دور الوسيط في المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، للوصول إلى تسوية نهائية للنزاع. وهي الحقائق التي جعلت أوروبا تعترض على نقل السفارة، وأيضا إبقاء دول العالم جميعها - باستثناء دولتين صغيرتين- سفاراتها في تل أبيب، ولأن نقل السفارة يلحق به الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
وقد حدث أثناء حكم كلينتون، أن تعددت وساطاته، للوصول إلى تسوية بين إسرائيل والفلسطينيين، أبرزها رعايته في واشنطن للقاء بين إسحق رابين، وياسر عرفات، في إطار اتفاقية أوسلو الثانية عام 1995، ثم مشاركته بصورة مباشرة في المفاوضات التي جرت في منطقة واي بلانتيشن خارج واشنطن، والتي حضرها نتانياهو وعرفات، وأحاط بهذه الجهود للوساطة تصريحات وزيرة الخارجية مادلين أولبرايت، التي وصفت أميركا بالوسيط النزيه HONEST BROKER في المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين. وحددت توصيفا لمعنى كلمة الوسيط النزيه - فيما يتعلق بالقدس- بأن تسوية وضع القدس، تتحدد في مفاوضات الوضع النهائي، وليس إجراء من جانب واحد.
ومعنى ذلك أن أي قرار بتغيير وضع القدس، يهدم بالتبعية دور الوسيط، بما يعنى تخلي أميركا عن هذا الدور.
إن لجوء الرؤساء السابقين إلى إطلاق وعود بنقل السفارة، كان يتم نتيجة موافقة الكونغرس عام 1996 على قانون بنقل السفارة، بناء على المشروع الذي قدمه إلى الكونجرس، في ذلك الوقت، السناتور بوب دول زعيم الأغلبية الجمهورية بمجلس الشيوخ.
لكن القانون كان يسمح للرئيس الأميركي - بناء على اعتبارات تخص الأمن القومي للولايات المتحدة- بتعليق تنفيذ القانون، وفقا للتعبير القانوني TO WAIVE وهو ما اتبعه الرؤساء من الحزبين منذ صدور القانون، أي أن هناك التزاما سياسيا وأدبيا من الولايات المتحدة، بعدم الإقدام على أي خطوة تتعلق بالوضع النهائي للقدس، من جانب واحد.
بل إن الوضع القانوني يرجع إلى أبعد من ذلك بكثير، منذ قرار الأمم المتحدة عام 1949، بتقسيم فلسطين. والذي قرر أن وضع المدينة يتحدد عبر مفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وعن طريق هيئة دولية، أي أنه لا يحق لإسرائيل أو أميركا، أن تتخذ إجراء يخالف ذلك، وإلا كان مخالفا للقانون الدولي، ولقرارات الأمم المتحدة، والأكثر من ذلك لالتزامها السياسي، بألا يتقرر الوضع النهائي للقدس، إلا عن طريق مفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين.
وإذا كان ترامب قد أطلق وعوده في تيار خطبه الحماسية أثناء حملته الانتخابية، فإن قراراته كرئيس، لابد وأن تتخذ في إطار جلسات لمناقشة هذا الوضع وتبعاته المتوقعة، والتي يشارك فيها مستشار الرئيس للأمن القومي، وكبار القادة العسكريين، وتقارير وكالة المخابرات المركزية، بالإضافة إلى تقدير العواقب التي ستترتب إقليميا ودوليا على مثل هذا القرار، والذي سيضع مصداقية أميركا في موقف مشكوك فيه.
وفي مواجهة أية احتمالات، فإن الدول العربية والإسلامية، لابد وأن يكون لها موقف جماعي من أي خطوة لوضع وعود ترامب موضع التنفيذ. ومن المهم حتى يكتسب هذا الموقف قوة دفع دولية، أن تحشد إلى جانبها مساندة من دول ترفض أي إجراء لنقل السفارة إلى القدس، وفي مقدمتها دول أوروبا، التي سيكون لموقفها اعتباره لدى صانع القرار الأميركي.

بقلم : عاطف الغمري
copy short url   نسخ
07/02/2017
4286