+ A
A -
كانت قد مرت بمرحلة تطلعت فيها إلى أن تكون موظفة تعيل نفسها بعد إكمال دراستها، وربما في وقت لاحق تحظى بمكان يخصها وحدها بعيدا عن نكد زوجة أبيها وسيطرة أخيها الأكبر وجبروت والدها، لكن الحياة جرفتها إلى مكان آخر، وحولتها إلى زوجة وأم قبل أن تتم عامها السادس عشر، لم يستطع والدها أن يرفض ابن عمها الذي لم يكمل الابتدائية حين تقدم للزواج منها، ولم تجرؤ هي على الاعتراض، تأملت أن يكون فارق العمر الذي يصل إلى عشرين عاما لصالحها، سوف يدللها ويعوضها عن كل الإهانات التي مرت بها في حياتها القصيرة، وسوف يبذل جهدا لإنجاح زواجه الثالث من أجله قبل أن يكون من أجلها.. وسوف تبذل هي أقصى جهدها لتكون زوجة جيدة وأمّا عظيمة.. ومن كل تلك الآمال والأمنيات لم يتحقق سوى الجزء الأخير.. لقد أصبحت أما لخمسة أطفال خلال عشرين عاما وفشلت في حمايتهم من غضب والدهم الذي يثور لأتفه سبب.. كيف تحميهم وهي عاجزة عن حماية نفسها..لا يمر أسبوع دون أن تتعرض لضرب مبرح تَسبب لها بأكثر من عاهة، لم تعد تسمع من أذنها اليسرى بعد صفعة مباغتة.. يدها اليسرى مكسورة، وجهها وجسدها لا يخلوان من آثار وحشية لا تخطئها العين.. إن تأخرت في تقديم وجبة الطعام في الوقت الذي يشتهي فيه زوجها الأكل تعاقب بالضرب، إن بكت طفلتها الصغيرة أو تشاجر الأولاد أو أصدر أي منهم صوتا أثناء نوم الأب تعرضت للضرب.. إذا رسب أحد أطفالها أو تراجعت درجاته وهذا يحدث كثيرا تتعرض للضرب.. وتطور الأمر بحيث بات يضرب أولاده كلما حاولوا الحيلولة بينه وبينها.. وهي تكاد تقسم أن عضلاته نمت لأنه يتدرب على أجساد بشرية بشكل منتظم.. ليست أما عظيمة.. فالأم التي لا تستطيع الدفاع عن أطفالها وتوفير الأمن والأمان لهم لا تستحق أن تكون أما.. هذا ما كانت تردده لجيرانها الطيبين الذين تعبوا من متابعة مسلسل الرعب المفروض عليهم سماعه ومشاهدته، اشتكته بعد أن كادت تفقد حياتها ذات مرة، وخرجت بتعهد مكتوب بأن لا يكرر فعلته، لكن من لا يخشى الله لا يخشى العباد مهما كانت درجة سلطتهم.. هجر ابنها الأكبر الدراسة، وحاولت ابنتها الكبرى الانتحار أكثر من مرة.. وهي مستسلمة لأحزانها لأنها عاجزة عن فعل أي شيء... لا تعرف أين تذهب وماذا ستفعل وكيف ستعيش.. تبحث عن الحلول لدى الآخرين وهي تعلم أن الحل غير موجود لديهم. الحل لديها هي فقط، أو كما قال المتصوف الكبير «جلال الدين الرومي» إن كنت تبحث عن الروح فأنت الروح.. وإن كنت تفتش عن قطعة خبز فأنت الخبز... وحين تدرك هذه الفكرة الدقيقة فسوف تفهم... أن كل ما تبحث عنه هو أنت. لقد ولدت مع إمكانات. وقد ولدت مع خير وثقة في داخلك. لقد ولدت مع مُثل وأحلام. وقد ولدت مع العظمة. لقد ولدت بأجنحة. لا يفترض بك الزحف، لذلك لا تفعل. لديك أجنحة، تعلم كيفية استخدامها وحلق.

بقلم : وداد الكواري
copy short url   نسخ
06/02/2017
1352