+ A
A -
عرف عن فيكتور هيجو الاديب الفرنسي الكبير أنه كان كتوما وقليل الكلام،لا يتحدث الا اذا وجه اليه الحديث،حتى عندما كان ينفعل ،كان يحرص على اخفاء انفعالاته..كان الصمت هو اقصى ما يمكن ان يعبر به عن مشاعره اذا غضب،فاذا لمحوا ابتسامة باهتة على شفتيه أدركوا انه في احسن حالاته،قال يوما لاصدقائه وهو يرى الحيرة في عيونهم عندما قرأوا كتابه«الرجل الضاحك» وجاءوا اليه يسألونه:«من تقصد بالرجل الضاحك؟ قال:«أنا هو هذا الرجل»عادوا يقولون:«ولكنك لم تضحك يوما...قال:«ولماذا أكشف لكم عما يعترم في صدري..هل يجب ان أعلن دائما عن سعادتي؟ان رأسي مليء دائما بالصور..القليل منها يحزنني ولكن الكثير منها يملأ قلبي بالسعادة..وهذه الصور تتحول إلى أفكار في رأسي..وكلما تزاحمت هذه الافكار تضاءلت قدرتي على التعبير عنها..ان الشخص العاقل في رأيي لا يتحدث كثيرا ليقتل الوقت،ولكنه يتحدث قليلا ليكسب الوقت..وأنا لا أريد أن أضيع وقتكم في تأمل ابتساماتي ودموعي» وأعترف أنني في كل مرة أزور فيها مدينة النور «باريس» أحرص على زيارة منزل «هيجو»في حين لم أقم بزيارة منزل أديب آخر لا يقل عنه مكانة نوعا ما ،وهو «بلزاك» الا مرة واحدة ولا أفكر في تكرارها،وبالمناسبة المكان الذي أقام فيه أشهر ادباء فرنسا «هيجو» لم يكن منزلا بل شقة واسعة كتب فيها أجمل الكتب ومن بينها «البؤساء» أما «بلزاك» فقد أقام في عقار صغيرمقلوب، تصل اليه من خلال سلالم ملتوية تقودك إلى باب حديدي تنفذ منه إلى غرفة صغيرة ثم غرفة اخرى بنفس الحجم تضم موظفا وموظفة طاعنين في السن،أشفقت عليهما من النزول والصعود كل يوم تلك السلالم المتعبة،وانتظار بضعة اشخاص كل يوم مقابل ثمن زهيد«خمسة يورو» لزيارة مكان كئيب بكل ما تعنيه الكلمة،فالقصر مكون من قبو مستطيل به مقتنيات الكاتب. طاولة الكتابة،وبضعة مخطوطات بخط يده،وصورة مؤطرة لصاحب الكوميديا الإنسانية، ثم غرفة استقبال تضم عدة مقاعد لا لون لها ، ومن كل جانب تحيط بك الجدران المصبوغة باللون الرمادي،والعارية من أي لمسات شخصية ، وممرات وغرف أخرى معتمة وفارغة تقريبا تقودك إلى سلم حلزوني ينتهي بك إلى طابق تحت الارض ،ثم طابق آخر،وكما ذكرت «قصر مقلوب» طوابقه مدفونة في باطن الارض،وحول هذا العقار حديقة مقفرة وموحلة بها بضعة مقاعد حال لونها.وثلاث بطات صغيرات بدا لي انها اضاعت الطريق،وأذكر انني حين غادرت ذلك المكان الموحش دار في بالي سؤال..هل حقا كان«بلزاك» يكتب ولمدة ثماني عشرة ساعة يوميا في هذا القبر! أمام المبنى الذي تحولت فيه شقة «هيجو» لمتحف» يستقبلك موظفون بملابس رسمية ووجوه بشوشة،وبعد العبور من جهاز التفتيش تصعد سلالم واسعة مفروشة بالسجاد إلى الطابق الثاني وبدون دفع أية رسوم،وما أن تطأ عتبة المنزل المكون من سبع غرف حتى تستقبلك الجدران المكسوة بالحرير الاحمر المبهج بالاحضان،المقاعد المنقوشة والزاهية والتي تعود إلى قرون مضت تبدو وكأنها خرجت من يد الصانع للتو.. مقاعد فخيمة تغريك بالجلوس فوقها وتأمل اللوحات الثمينة التي تحيط بك من كل جانب..لوحات للكاتب وأسرته،ولوحات أخرى لأشهر الرسامين...كل غرفة.وكل زاوية.وكل ركن يبدو وكأنه يعيش حياة خاصة..ويشع بالحياة..حتى السرير المحاط بستائر شفافة والذي مات عليه الاديب في هدوء يشعرك بالحياة..كانت امي رحمها الله تقول:«البيوت كأصحابها..طيبة أو شريرة.كريمة أو بخيلة.أو بين البينين..ولا علاقة للأمر بالغنى أو الفقر،بالفخامة أو التقشف،هناك بيوت تحس حين تدخلها بأنك في بيتك..وهناك بيوت تتمنى حين تدخلها لو أنك كنت في بيتك فعلا.
بقلم : وداد الكواري
copy short url   نسخ
05/02/2017
1466