+ A
A -
يبدو غريبا بعد مرور ست سنوات على انطلاقة ما يفترض أن يكون ربيعا عربيا، موقف العديد من المثقفين العرب بما يخص هذا الحدث العربي الاستثنائي ونتائجه التي انعكست على العالم ككل وغيرت سياساته واتجاهاته، وليس هذا كلاما مجازا بل هو واقع بات واضحا وصريحا، فوصول ترامب إلى الرئاسة في أميركا لا يمكن فصله عما حدث خلال السنوات الست الماضية في العالم، ومثله تقدم اليمين المتطرف الأوروبي، ومثله أيضا قرار انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، ومثله تغيير التحالفات السياسية والاقتصادية في سياسات العالم،الذي يبدو الآن محكوما بنفس الذهنية التي تدار بها الشركات الكبرى، التي تعنى بما يحقق لها الأرباح والمكاسب وتطحن في طريقها لذلك كل ما هو أدنى منها، سواء أكان هذا الأدنى مجموعات كبرى أو أفرادا، فالدول الصغيرة والشعوب هي الأدنى في حسابات حكام العالم، وبالتالي لا توجد أية قيمة لضحايا هذه الشعوب إلا بما يخدم مصلحة المافيات الكبرى. هذا بحد ذاته كان يتطلب رؤية واضحة من المثقفين العرب بمن يفترض أنهم النخبة، رؤية قادرة على سبر الأسباب التي أوصلت الربيع العربي إلى ما وصل إليه، وقادرة على سبر دور الأنظمة العربية وتراتبيتها في هذه الشركات المافياوية التي تحكم العالم، مثلما يتطلب رؤية واضحة للإسلام السياسي بفروعه الجهادية، ونشأة هذه التنظيمات وعلاقتها بالأنظمة العربية الحاكمة وبأجهزة المخابرات العربية والإقليمية والدولية، وبالمؤسسات الدينية الرسمية المتحالفة مع الأنظمة! دور المثقف العربي في هذه المرحلة الاستثنائية هو تسليط الضوء على هذه التحالفات ليتيح للأجيال القادمة معرفة ما حدث خلال هذه الفترة، إذ بات واضحا فشل الربيع العربي في تحقيق أهدافه، وهنا أقصد الأهداف التي تحركت الشعوب لتحقيقها، إذ بات من الواضح أيضا أن ثمة أهدافا تم وضعها مع بداية هذا الربيع لا علاقة للشعوب بها، وللأسف نجح واضعوها بجدارة واستحقاق، فكل ما حدث من تدمير وقتل وتهجير وحروب وسرقة الثورات وإجهاضها لم يكن فقط بسبب إجرام الأنظمة الحاكمة، وإنما أيضا بسبب خطط عابرة للقارات تتيح لهؤلاء المجرمين الفتك بالشعوب وتسهل لهم ذلك.
وبالرغم من أن هذا بات واضحا جدا وجليا إلى حد الفضائحية، لا يتورع الكثير من المثقفين العرب عن تأييد هذه الأنظمة وتأليه حكامها وفرعنتهم، بذريعة الوقوف ضد المد الجهادي الإرهابي، ولا يتورعون عن شتم ومعاداة وتخوين زملاء لهم يقفون ضد هذه الأنظمة.
والمدهش أيضا هو شتم هؤلاء للثورات واتهامها بما حدث للبلاد التي قامت بها، في محاولة تبرئة الأنظمة الحاكمة وتبييض تواريخها القذرة في صناعة كل هذا الخراب الذي نشاهده اليوم، والمدهش أكثر في هؤلاء المثقفين هو وقوفهم مع من يدعون عداءهم في تقسيم المواقف بين موقفين فقط: إما أن تؤيد هذه الأنظمة وتشتم الثورات أو أنت مؤيد للإرهاب، ناسفين بذلك الدور الحقيقي للمثقف في تفنيد أسباب الخراب بموضوعية ومنهجية تقتضي الحياد من جهة، لكنها أولا تقتضي الوقوف مع التغيير وتطلعات الشعوب نحو تحقيق أحلامها بمستقبل أفضل مهما كان الثمن باهظا.

بقلم : رشا عمران
copy short url   نسخ
31/01/2017
4250