+ A
A -
لأم درمان، العاصمة الوطنية في السودان، نكهة خاصة، اكتسبتها من خاصية هذه المدينة، التي تعتبر نسخة مصغرة للسودان، الذي كان جميلا بتنوعاته المتباينة، المدهشة.. والعجيبة.
في ام درمان سكنت كل القبائل معا، وتعايشت. سكنها هنود وارمن وأقباط، وتداخلوا مع سكانها، واتحدوا وتوحدوا.. وصارت ام درمان نسيجا اجتماعيا.. رحيما ومتراحما، يفرد ذراعيه، لكل القادمين الجدد.. لا تضايقوا، ولا ضاقت بهم ام درمان!
تكاد تعرفهم من سلوكياتهم، أهل هذه المدينة.. وتكاد تعرفهم من حديثهم.. من إشاراتهم، إيماءتهم. هم أهل ذوق في كل ذلك.. وأهل فن!
أجمل الشعراء، وأجمل القاوون، هم الأم درمانيون.. وكذا أجمل اللعيبة، وأجمل الفنانين، وأجمل الملحنين، وأجمل الصيّاع، وأجمل أهل النكتة.. ناس القفشة، وناس الطرفة.. وأجمل ناس الظرف والإمتاع والمؤانسة..
في ام درمان، (الفتوات) غير.. والبنات غير، وخفقات القلوب غير، وكذا القسمة والنصيب، وطعم الدمعة، والضحكة، والشربة، والعضة، والصعلكة، وقدلة حصين السواري نصايص الليل!
سكنتُ ام درمان وسكنتني. تخرجتُ من جامعتها، واشتغلت أول ما اشتغلت فيها في بيت الأمانة الثانوية للبنات. أعطتني سلوكا وخيالا، وعلما، ومعرفة مسبقة بالوطن الذي كان (يمتد حدادي.. مدادي).. وأعطتني خفقة في القلب، وامرأة، وطفلة حلوة، و... طلقة بائنة!
آه، يا زمان الوصل بأم درمان..
آه من هذه المسافة، وكل هذه الذاكرة، وكل هذا الارتداد، وكل هذه الأشواق، وكل هذا الحنين،
وكل هذه الغربة، وكل ذياك البكاء حين يغني المغني: (أنا لي في المسالمة غزال)!
لا يزال مغنيها يغني، والمهدي الحفيد، يصبغ لحيته بالحناء.. يشيل مع المغني، والزمان يشيله إلى زمان، غير هذا الزمان.. وأم درمان ( على الله) ونحاس يرزم، وسيوف ورماح، وتبروقات تكوس في القبلة،، وخيل عجاجها يسد عين الأفق، ومقولة من المهدي الكبير، كانت بداية للتعمير:( أكبروا شدرا، وأكلوا بصلا،،و...»:
أنـا أم درمــــان ســـليلة السـيل،
قسـمت الليـــل وبـنتَ صبـاح..
أنـا الولــــدوني بـالتــــهليـــــل،
وهلـــت فــوقي غابــة رمــــاح..
أنـا الطـابيـــة المقــــابلة النيـل،
وأنـا العـافيــة التشـــد الحيــــــل،
وأنـا القبـــة التـــضـوي الليـل،
وتـهدي النـاس ســلام وأمــــان!
بقلم : هاشم كرار
copy short url   نسخ
30/01/2017
1616